أزمة المياه بين الهند وباكستان… تهديد مستقبلي للاستقرار الإقليمي والاقتصاد العالمي

بقلم: د. هبة جمال

تُعد قضية المياه بين الهند وباكستان من أخطر النزاعات البيئية السياسية في جنوب آسيا، حيث تتقاطع فيها الجغرافيا السياسية مع الأمن المائي والاقتصاد العالمي، وتعود جذور الأزمة إلى تقاسم مياه الأنهار العابرة للحدود، لا سيما نهر السند وروافده، وهو ما نظمه اتفاق السند للمياه، الذي أبرم بوساطة البنك الدولي، وكان الضامن لها، في عهد رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو، والرئيس الباكستاني أيوب خان، في 19 سبتمبر 1960م، التي وصفها الرئيس الأمريكي آنذاك أيزنهاور، بأنها نقطة مضيئة في صورة العالم المظلم، تنظم تدفق مياه السند لباكستان، وتتقاسم الدولتان بموجب هذه المعاهدة الأنهار الستة التي يتشكل منها حوض السند(1).

ورغم نجاح الاتفاق في تأمين توزيع المياه لعقود، فإن التوترات السياسية المتصاعدة بين البلدين، والتغيرات المناخية، والضغوط الديموغرافية، بدأت تُضعف فعاليته؛ ما ينذر بتحول الأزمة إلى صراع مفتوح قد تكون له تبعات كارثية على الاستقرار الإقليمي والاقتصاد العالمي.

أولاً: خلفية النزاع المائي بين الهند وباكستان:

يتضمن حوض نهر السند 6 أنهار رئيسة تنبع جميعها من الهند أو تمر عبرها قبل أن تصل إلى باكستان؛ ما يجعل باكستان في موقع هش مائياً، وقد مُنحت الهند من خلال اتفاق السند للمياه السيطرة على الأنهار الشرقية (رافي، بيس، ستلج)، بينما مُنحت باكستان حقوق الاستخدام الحصري للأنهار الغربية (السند، جيلوم، تشيناب)، غير أن الهند بدأت منذ فترة تنفيذ مشروعات سدود وتخزين مياه على الأنهار الغربية، مدعية أن ذلك يدخل ضمن الاستخدام غير الاستهلاكي الذي يسمح به الاتفاق، بينما ترى باكستان في هذه المشروعات تهديداً مباشراً لأمنها المائي والغذائي، خاصة أن أكثر من 80% من زراعتها تعتمد على نهر السند.

ثانياً: أسباب تفاقم الأزمة:

1- الضغوط السكانية والمناخية: يشهد كلا البلدين نمواً سكانياً هائلاً؛ ما يزيد الطلب على المياه، يضاف إلى ذلك تأثيرات التغير المناخي، من تراجع الأمطار الموسمية إلى ذوبان الأنهار الجليدية في الهيمالايا؛ ما يهدد بجفاف طويل الأمد أو فيضانات مدمرة.

2- التوترات السياسية والأمنية: تدهور العلاقات الثنائية، خاصة بعد التوترات الأمنية والنزاعات في كشمير، أدى إلى تسييس ملف المياه؛ ما يقوض أي محاولات لحوار بناء بشأن إدارة الموارد المشتركة.

3- استغلال المياه كورقة ضغط: ألمحت الهند مراراً إلى إمكانية تعديل أو تعليق العمل باتفاق السند للمياه كرد فعل على الأعمال العدائية من جانب باكستان، وهو ما تعتبره الأخيرة إعلان حرب غير مباشر.

ثالثاً: سيناريو اندلاع حرب مائية وتأثيرها على الاقتصاد العالمي:

في حال اندلاع صراع مسلح بين الهند وباكستان بسبب المياه، فإن التبعات لن تقتصر على المنطقة فحسب، بل ستمتد إلى الاقتصاد العالمي، لعدة أسباب:

1- خطر نووي: تمتلك البلدان أسلحة نووية، وأي تصعيد قد يتحول إلى مواجهة كارثية تؤدي إلى زعزعة الاستقرار العالمي وارتفاع أسعار الطاقة والمعادن النفيسة بسبب المخاوف الأمنية.

2- اضطراب سلاسل الإمداد: جنوب آسيا مركز إنتاج رئيس للنسيج، والصناعات الدوائية، والخدمات التقنية، فأي اضطراب في المنطقة سيؤثر مباشرة على الإمدادات العالمية، خاصة مع اعتماد دول كثيرة على الاستيراد من الهند وباكستان.

3- هروب رؤوس الأموال: قد يسفر اندلاع الحرب بين البلدين إلى انخفاض ثقة المستثمرين في أسواق آسيا الناشئة، ويُحدث تقلبات حادة في أسواق المال، لا سيما في بورصتي بومباي (BSE)، وكراتشي.

4- أزمة إنسانية وهجرات قسرية: ستؤدي الحرب إلى نزوح جماعي قد يخلق أزمات إنسانية في دول الجوار، ويزيد من أعباء المساعدات الدولية؛ ما يضغط على موارد المؤسسات الأممية والإغاثية.

أزمة المياه بين الهند وباكستان تمثل نموذجاً صارخاً لما يمكن أن تؤول إليه الخلافات البيئية في ظل غياب التعاون الدولي، وعلى الرغم من أن اتفاق السند كان إنجازاً تاريخياً في وقته، فإن متغيرات العصر تتطلب إعادة النظر فيه وتفعيله بروح شراكة جديدة قائمة على الشفافية والتكامل، كما يجب على المجتمع الدولي، لاسيما الأمم المتحدة والبنك الدولي، ممارسة دور أكبر في الوساطة وتقديم الدعم الفني لضمان استدامة الموارد المائية وتفادي سيناريوهات الصدام، لما لها من تداعيات خطيرة ليس فقط على الهند وباكستان، بل على الاقتصاد العالمي بأسره.

رابعاً: حلول مقترحة لأزمة المياه بين الهند وباكستان:

1- إحياء الاتفاقيات الدولية وتعزيز آلياتها التنفيذية: رغم أن «اتفاق السند للمياه» لعام 1960م لا يزال قائماً، فإن التحديات الجديدة تستدعي تطوير آليات تنفيذية مرنة تشمل مراقبة المشاريع المائية وتبادل البيانات بشفافية عالية، ويمكن إنشاء هيئة مشتركة مستقلة تحت إشراف دولي لضمان الالتزام ببنود الاتفاق وتحديثها عند الحاجة.

2- توسيع نطاق الحوار الثنائي المشمول بالرعاية الدولية: حيث ينبغي تفعيل قنوات الحوار الرسمية وغير الرسمية بين الجانبين، مع إمكانية إشراك أطراف دولية مثل البنك الدولي أو الأمم المتحدة كوسطاء محايدين لدعم بناء الثقة، وتيسير التفاهم حول القضايا الفنية والسياسية المتعلقة بالمياه.

3- إنشاء نظام إنذار مبكر وتبادل بيانات الأرصاد الهيدرولوجية: من خلال تبادل المعلومات حول معدلات الأمطار، وذوبان الجليد، وحجم المياه في الأنهار، يمكن للبلدين التنبؤ بالأزمات المحتملة كالجفاف أو الفيضانات والتعاون في مواجهتها؛ ما يقلل فرص التصعيد.

4- تبني إدارة تكاملية ومستدامة للموارد المائية: فمن الضروري الانتقال من سياسات المنافسة إلى سياسات الشراكة في إدارة الأنهار، من خلال تبني تقنيات الري الحديثة، وتحسين كفاءة استخدام المياه، والتقليل من الفاقد، بما يحقق الأمن المائي للطرفين دون تهديد مصالح الآخر.

5- التعاون في بناء مشاريع مشتركة للطاقة والمياه: يمكن أن يشكل بناء سدود أو محطات توليد كهرباء مشتركة وسيلة لتقليل التوتر وتعزيز المصالح المتبادلة بين البلدين، شريطة أن تتم إدارتها بشفافية وضمان توزيع عادل لعوائدها.

6- إشراك المجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية في بناء السلام المائي: بإمكان الجامعات ومراكز الأبحاث والمنظمات غير الحكومية أن تساهم في تعزيز الوعي بأهمية التعاون في إدارة المياه العابرة للحدود، ونشر ثقافة السلام البيئي بين الشعوب.

7- ربط قضية المياه بقضايا التنمية الإقليمية: حيث ينبغي النظر إلى المياه باعتبارها رافعة للتنمية وليست أداة للصراع، وذلك من خلال ربط الأمن المائي بالأمن الغذائي، والصحي، والاجتماعي، بما يرسخ منطق التعاون على حساب منطق التنازع.

وعليه، فإن حل أزمة المياه بين الهند وباكستان المتجاورتين يتطلب إرادة هندية سياسية راشدة تتسم بالوعي والنزاهة، ورؤية إستراتيجية تتجاوز الخلافات التاريخية نحو مستقبل مشترك قائم على التعاون والتكامل، كما تقتضي الضرورة تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته في دعم جهود السلام المائي، نظراً لما يمثله ذلك من أهمية بالغة للاستقرار الإقليمي والاقتصاد العالمي.

Explore More About Us

You May Also Like To Read

Contact Us

Subscribe to our Newsletter

@2023 – All Right Reserved. Designed and Developed by AATWorld

About Us

Here in the AAT Group, Traders, Businessmen, Manufacturers, Importers, and Exporters get to know each other and cooperate despite the distances, countries, and different languages.

Feature Posts

Newsletters

Never Miss an Offer

Join our mailing list to receive the latest product news and industry updates from AAT World.

@2025  AATWorld  | All rights reserved.Reserved.