أزمة سقف الديون.. كيف يتسبّب اقتصاد دولة واحدة في كساد عالمي؟

بقلم: إسراء سيد

تخيّل أن الاقتصاد الأمريكي قد انهار، وأننا أمام أزمة اقتصادية عالمية تبدو معها أزمة 2008 كـ”حفلة شاي” حسب توصيف سيمون فرينش، كبير الاقتصاديين في بنك الاستثمار “بانمور غوردون”.

هذا الخيال يمكن أن يصبح واقعًا مع تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها بحلول الأول من يونيو/ حزيران، وقد تفلس الحكومة في الخامس من يونيو/ حزيران، ما قد يؤدي إلى عجز عن الوفاء بالتزاماتها المالية يضرّ الاقتصاد الأمريكي، ويفاقم تكلفة الاقتراض، وتنعكس آثاره الكارثية على الاقتصاد العالمي. 

 كيف وصل الحال إلى هذا السيناريو الكارثي؟ 

تنفق حكومة الولايات المتحدة أموالًا أكثر ممّا تكسب، وهي تعاني بالفعل من عجز يصل إلى تريليون دولار سنويًّا، ولتعويض الفارق تلجأ إلى الاقتراض ضمن سقف محدد من قِبل الكونغرس، وهو ما يُعرَف بسقف الدين.

في العام الأخير، حُددت الميزانية الأمريكية بـ 6.5 تريليونات دولار، بينما قُدِّرت المداخيل بـ 4.6 تريليونات دولار، وهذا يعني وجود عجز قيمته 1.9 تريليون دولار، ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي لدولة مثل إيطاليا، وبدأ العجز الذي تراكم طوال السنوات الماضية عام 2019 قبل ظهور جائحة كورونا، ويعدّ حاليًّا أعلى بـ 3 أضعاف من مستواه عام 2019. 

عجز الميزانية مرضٌ قديم أصاب الاقتصاد الأمريكي، لأن واشنطن وجدت حلًّا عابرًا للأزمات بسندات وزارة الخزانة، ظهر عندما قررت أمريكا دخول الحرب العالمية الأولى، وبسبب الحاجة للأموال باعت الخزانة الأمريكية صكًّا ماليًّا للبنوك مقابل فوائد سنوية، وكان لجوء الخزانة للقروض مرهونًا بموافقة الكونغرس الأمريكي، لتجنُّب الإجراءات البيروقراطية في زمن الحرب، ومنح وزارة الخزانة صلاحيات محددة للاقتراض دون طلب تصويت الكونغرس كل مرة.  

قبل أكثر من قرن، وتحديدًا عام 1917، أقرَّ الكونغرس في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق وودور ويلسون قضية الاقتراض عبر قانون “سندات الحرية الثاني”، لكن بشرط الالتزام بسقف أقصى يمكن للحكومة استدانته، وذلك لتغطية العجز بين إيراداتها ونفقاتها لتتمكّن من تأمين الأموال اللازمة لدفع رواتب الموظفين والعسكريين، وشركات الضمان الاجتماعي، وخدمات الرعاية الصحية، وغيرها من أوجُه النفقات الحكومية.

ويتم ذلك، أي اقتراض الحكومة للأموال، عبر طرح السندات الحكومية التي يُنظر إليها عالميًّا على أنها استثمار آمن وموثوق للبيع، وتحتاج الحكومة في حال وصول الدين العام للسقف المحدد إلى موافقة الكونغرس لرفعه لكي تتمكن من الاقتراض من جديد، وبالتالي سقف الديون ليس سوى تشريع لا بدَّ منه لإنقاذ البلاد من الأزمة.

ومنذ عام 1960، تدخّل الكونغرس لرفع سقف الديون 78 مرة (49 في عهد الجمهوريين، و29 مرة في عهد الديمقراطيين)، كان آخرها في 1 أغسطس/ آب 2021 عندما رفع الكونغرس في النهاية سقف الديون بمقدار 2.4 تريليون دولار (من 28.4 تريليون دولار إلى 31.8 تريليون دولار)، لكن هذا الإجراء الذي يتم بشكل شبه روتيني يتحول في كل مرة إلى ساحة لتصفية حسابات سياسية على حساب الاقتصاد، كما حدث في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما.

حتى وقت غير بعيد، لا أحد كان يصدّق أن الولايات المتحدة -التي تتربّع على رأس الاقتصادات العالمية، وصاحبة أقوى عملة، والدولة الأكثر ثراءً في العالم وأكثرها مديونية أيضًا- عاجزة عن سداد ديونها، ففي 19 يناير/ كانون الثاني الماضي وصلت البلاد إلى السقف الأعلى للدين البالغ 31.4 تريليون دولار.

من هنا، دبّت الخلافات والانقسامات بين الحزبَين الرئيسيَّين (الديمقراطي والجمهوري)، لا على مبدأ الدَّين بحدّ ذاته، بل على كيفية التعامل مع العجز الاتحادي، وطريقة نفقات الموازنة الاتحادية وأولوياتها، التي يهدف الجمهوريون إلى خفضها 3 تريليونات دولار أولًا، أي ما يضاهي الناتج المحلي الفرنسي، بينما يرى الديمقراطيون أن الأمريكيين الأثرياء والشركات يجب أن يدفعوا ضرائب أكثر. 

تبدو الأزمة الحالية مشابهة لأزمة العام 2011 بين إدارة أوباما والجمهوريين، لكن المرة السابقة كثرت الأطراف المتداخلة من بينها أعضاء مجلس الشيوخ، بالإضافة إلى أعضاء مجلس النواب من الجمهوريين، وتسبّبت الأزمة وقتها في انهيار الثقة بسندات الخزينة الأمريكية وبرفع أسعار الفائدة. 

الماراثون لم ينتهِ بعد

هذه المرة، ومن دون أي احتفال، وبمصطلحات تعكس المضمون المرير للمفاوضات التي استمرت شهورًا، توصّل الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس مجلس النواب كيفن مكارثي إلى اتفاق لرفع سقف دين الحكومة الاتحادية، اتفاق من حيث المبدأ، لكنه يأتي تتويجًا لمفاوضات جنونية كانت متأزّمة.الاتفاق الذي من شأنه رفع سقف الدين لمدة عامَين، يشمل أيضًا تجميد الإنفاق على البرامج المحلية وزيادة الإنفاق على قضايا الدفاع والمحاربين القدامى، وفرض بعض متطلبات العمل الجديدة وبرامج المساعدة الغذائية الفيدرالية، وتغيير بعض القواعد المتعلقة بالطاقة.

Contact Us

Subscribe to our Newsletter

@2023 – All Right Reserved. Designed and Developed by AATWorld

About Us

Here in the AAT Group, Traders, Businessmen, Manufacturers, Importers, and Exporters get to know each other and cooperate despite the distances, countries, and different languages.

Feature Posts

Newsletters

Never Miss an Offer

Join our mailing list to receive the latest product news and industry updates from AAT World.

@2023 – All Right Reserved. Designed and Developed by AATWorld