الدهر كالدهر والدنيا لـمن غَلَبا

حين تناهى إليَّ خبر زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع لدولة الكويت هششتُ وبششتُ، وغمرتني الفرحة والبشر، وتراءت أمام ناظري سلسلة من الإنجازات تتابعت متلاحقةً بيضاءَ لا يعكِّرها النماء، مذ تحقق النصر العظيم على النظام البائد.

إذ لا يكاد يشرق يوم جديد على سورية المحررة الحرة إلا ويباشر سمعَنا ونظرَنا خبرٌ يزيدُ فرحَنا فرحًا، وسرورَنا سرورًا، وحياتنا أملًا بغدٍ أفضل.

وما أحسبني مبالغًا إذا قلت: إني منذ فجر الثامن من ديسمبر 2024م أصحو كل يوم على إنجاز جديد، يُرقِص القلبَ سروراً، ويملأ النفسَ حبوراً، ويُفسح آفاق أمل مشرقٍ يعمُّ العباد والبلاد.

وكانت البداية الحميدة مع سقوط النظام، وهروب رأسِه وأذيالِه إلى حيث لا رجعة، بل إلى حسابٍ عسير نرجو ألا يكون بعيدًا، ولعل الله تعالى يرينا فيهم عذابَه الأدنَى قبل عذابه الأكبر.

ثم فُتِحت السجون، وخرج منها الأبرياء طلقاءَ، يتنسَّمون رياح حريةٍ فقدوها منذ عقود، ويريحون الجسد من بأسِ عذابٍ لبثوا تحت سياطه دهراً طويلاً، ويريحون النفس من هول الخوف والرعب والفزع والجزع والخَرَع الذي كان يسيطر عليهم.

وعاد كثير من المشرَّدين والنازحين واللاجئين والمُهَجَّرين إلى بلدهم ومرابعهم وأهلهم وبيوتهم –وإن كان مهدمةً مدمَّرة– ليجدِّدوا عهدًا بعيدًا قد مضى، وليقفوا على أطلالها وقفة شعراءِ «المعلَّقات» على أطلالهم ذاكرين مستذكرين، وباكين مستبكين، وحامدين شاكرين، ومهللين مكبِّرين.

كما عاد آلاف المحرومين من رؤية بلدهم وأهلهم وناسهم -وأنا واحدٌ منهم– بعد طول نأي وبعاد، وحرمان واضطهاد، وملاحقة ومصادرة، ومطاردة ومباغتة.

وطُويت ملايين السجلَّات التي تطلب السوريين أمنيًّا، وتصادر أملاكهم، وتلاحقهم، وتنكِّل بأهليهم، وترفع أسماءهم لما سُمِّي بمحكمة الإرهاب.

وتتابعت زيارات كبار المسؤولين من الدول العربية والأجنبية مباركين ومؤيدين ومساندين ومساعدين.

ثم عيِّن أحمد الشرع رئيساً للجمهورية، وألقى خطاباً بلغ الغاية إيجازاً وبياناً ومحتوى ورؤية.

وبدا لي من خلال لقاءات متعددة، ومواقف متلاحقة أنه يمتلك حضورًا آسرًا، وحكمةً بالغة، ورؤيةً نافذة، وحِنكة باهرة، وهيبةً معجِبة، وبديهةً حاضرة؛ (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) (البقرة: 269).

مُلقَّنٌ مُلهمٌ فِيما يُحاوِلُهُ      جَمٌّ خَوَاطِرُهُ جوَّابُ آفاقِ

ثم كان القضاءُ على فلول الأسد البائسين القتلة الذين عاثوا في الأرض فسادًا وغدرًا وتألُّبًا، فباؤوا بسوء ما دبَّروا، وارتدُّوا على أدبارهم خاسئين خائبين.

وشكِّلت حكومةٌ اصطُفي رجالها اصطفاءً، وانتُقوا انتقاءً، أثلج الصدور، وبشر بالخير العميم.

وتتابعت الإنجازات.. من رفع العقوبات، وتوقيع الاتفاقيات، وارتفاع سعر الليرة السورية، والبدء بالكثير من المشروعات، وملاحقة القتلة، ومنفِّذي المجازر المروِّعة، وقاصفي البراميل، وأزلام النظام من الشَّبِّيحة والنَّبِّيحة وعصابات الأمن والمخابرات والعواينية، ومن لفَّ لفَّهم وسقط سقوطهم.

واستعادةِ حقوق الناس، والأوقاف المنهوبة، والأراضي المسلوبة، والأبنية المسروقة.

وإعادة كِرام الرجال المُبعَدين من خطباء وعلماء وأطباء ومهندسين ومخلصين.. حُرِمت منهم ومن فضلهم وعلمهم البلادُ والعباد.

وتعيين الكثير منهم في مناصب يستحقونها، ومراتب يشرِّفونها، ووظائف يشغلونها.

ثم كانت الزياراتُ المتلاحقة للرئيس ووفده الكريم للبلاد العربية الشقيقة والأجنبية الصديقة، واستقباله استقبال الفاتحين، وما نحن فيه إلا واحدةٌ من هذه الزيارات الكريمة.

وإني لأشهد أنه ما آبَ من توفيقٍ إلا إلى توفيق، ولا خَلَصَ من إنجازٍ إلا إلى إنجاز، وكلما حلَّ إنجازٌ كاد يُنسي ما قبله، حتى إذا ما استعرضها المرءُ رأى عِقدًا ينتظمها عنوانُه التوفيق، وطوقًا ذهبيًّا يطوقها عنوانُه الإخلاص، نحسبه كذلك ولا نزكِّي على الله أحدًا.

في كل يوم فرحةٌ نزهو بها     مَنَّ الإله بها على أهلِ الشامِ

أذكر هذا كله بعد أن قضينا زمنًا طويلًا وعمرًا مديدًا ونحن نردد قول شيخ المعرة إذ يقول:

مَن كان يَطلبُ مِن أيّامِهِ عَجبًا         فلي ثمانونَ عامًا لا أرى عَجبا

الناسُ كالناسِ والأيامُ واحدةٌ          والدّهرُ كالدّهرِ والدنيا لِـمَن غَلَبا

إذ كنا نرزَحُ تحت نير احتلالٍ غاشم، وحاكمٍ ظالم، وجبَّارٍ عُتُلٍّ، نُزِعِت من قلبه الرحمة، وسُلِخت من جلده الإنسانية، بل لقد غدا الحيوان –واللهِ- أرحمَ منه وأشفق!

فمذ تغلَّب البعثيون وأزلامهم على الحكم عام 1963م، لم يتغيرْ شيءٌ من خطابهم وكذبهم وافترائهم وادعاءاتهم، فضلًا عن الظلم والطغيان والبغي والإبادة.

فقد عشنا دهرا طويلًا لا نرى عجبًا، في ظل النظام البائد الظالم، تمرُّ الأيام علينا والشعاراتُ الجوفاء تملأ الزمان والمكان، من ممانعة كاذبة، وصمود مزعوم، وإعلام كذَّاب كَذوب، بل كُذُبْذُبان، وإرهابٍ للشعب وسرقة لمقدَّراته، وطغيان لا تزيده الأيام إلا إمعانًا في الفجور والظلم والقهر والتخويف والتجويع.. وما لا ينتهي وصفه من صنوف البغي والعدوان.

فالحمد لله الذي أبدلنا بالذلِّ عزًّا، وبالقهر نصرًا، وبالظلم عدلًا، وبالكذب صدقًا، وبالانحراف استقامةً وفضلًا.

Explore More About Us

You May Also Like To Read

Contact Us

Subscribe to our Newsletter

@2023 – All Right Reserved. Designed and Developed by AATWorld

About Us

Here in the AAT Group, Traders, Businessmen, Manufacturers, Importers, and Exporters get to know each other and cooperate despite the distances, countries, and different languages.

Feature Posts

Newsletters

Never Miss an Offer

Join our mailing list to receive the latest product news and industry updates from AAT World.

@2025  AATWorld  | All rights reserved.Reserved.