بسم الله الرحمن الرحيم
رقم الفتوى: 25
السؤال: تنتشر العديد من الشركات التي تبيع منتجاتها عن طريق الاشتراك معها بعقد، يستفيد العميل بموجبه عدداً من الفوائد، كالحصول على مكافآت وأسعار مخفضة، تزيد بازدياد مشترياته، مع إمكان الحصول على أرباح إضافية من خلال ضمه لآخرين إلى شبكة التسويق، أو انضمام أعضاء عن طريق الذين انضموا عن طريقه، وهكذا.. فما حكم التعامل مع هذه الشركات؟ وخاصة أنها أصبحت تنتشر في المناطق المحررة بكثرة.
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فإنّ الدخول في عضوية هذه الشركات والتسويق لمنتجاتها لا يجوز لما تتضمنه من محاذير شرعية واجتماعية عديدة، وبيانُ ذلك فيما يلي:
أولاً: مفهوم التسويق الشبكي الهرمي:
يُطلق التسويق الشبكي الهرمي على نظام يقوم على استقطاب العملاء عن طريق الانتساب للشركة لإمكانية الاستفادة من منتجاتها، ثم تنسيب مشتركين جدد عن طريقهم، يعتبر المنتسِب إليها رأسَ هرم لغيره، وفي الوقت نفسه يعتبر هو جزءاً من هرمِ غيره، وتقدّر أرباح الأعضاء بطريقة حسابية تراكمية حسب مشترياتهم ومشتريات الأعضاء الذين ينتسبون عن طريقهم.
ونظراً لاختلاف هذه الشركات في تفاصيل شروطها، وقيامها بإدخال العديد من التغييرات على عقودها فإننا سنعرض الخصائص المشتركة لهذه الشركات:
1- اشتراط الشراء من الشركة للحصول على مميزات العضوية، وإلغاء الاشتراك حين التخلف عن الشراء، سواء كان هذا الشراء عند التسجيل، أو مرة في السنة، أو مرة واحدة طيلة مدة الاشتراك، وقد يكون سعر هذه المنتجات حقيقياً أو مبالغاً فيه. وبعض هذه الشركات تشترط التسجيل عضواً فيها ليتمكن الشخص من شراء منتجاتها، وقد لا يتيح بعضها التسجيل إلا عن طريق عضو سابق.
2- تنسيب غير محدود للمسوِّقين من المشاركين، في سلسلة لا نهاية لها، وحينها يصبح المشترك الجديد عضواً في شبكة المسوّق، ويكون للمسوّق الأول نصيب من أرباح العضو الجديد ومن ينتسب عن طريقه.
3- تعتمد هذه الشركات في تسويق منتجاتها على الترويج والإغراء بإمكان الحصول على دخل كبير وأرباح هائلة في حال الوصول إلى نصاب شراء معين، ومن خلال القدرة على تنسيب مشتركين جدد في الشركة، وأخذ نسبة على مشترياتهم.
4- غالباً ما يكون المسوّق هو المستهلك في هذه الشركات، فيحقق شروط العضوية بشراء السلع، ثم يحاول زيادة الأرباح التي يحصل عليها من خلال تسويق المنتجات لغيره، بخلاف التسويق التقليدي الذي يمثل فيه المستهلك الطرف الأخير في العملية التسويقية.
ثانياً: حكم شركات التسويق الشبكي الهرمي:
بعد النظر في أساس آلية عمل هذه الشركات وحقيقتها – دون النظر في مسمياتها العديدة المتجددة – يرى المجلس أنّ التعامل مع شركات التسويق الشبكي الهرمي أو التسويق بالطريقة الهرمية لا يجوز، وذلك للأسباب الآتية:
1- احتواء هذه العقود على المقامرة: وذلك أنّ الدخول في هذا العقد بقصد مضاعفة الأرباح يشتمل على مخاطرة كبيرة، فغالب مَن يشترك لا يحصل على أرباح من خلال المشتركين، فهو داخلٌ في مجازفة لا يعلم إن كان سيعوّض الثمن الذي دفعه ويربح أم لا، وهل سيقتنع الناس معه بالدخول أم لا.
2- اشتمالها على التغرير والخداع: فالنظام الهرمي في المعاملات الشبكية لا ينمو إلا على أساس أن هناك مَن يربح على حساب الآخرين من أصحاب المـستويات الأخـيرة، وبدونهم لا يمــــكن تحقــــيق العــــمولات الكبيرة للمــــستويات العلــــيا، والخاسرون الذين في الطبقات الدنيا من الهرم هم الأغلبية الساحقة، ولو علم المشترك أنه في الأعم الأغلب سيكون في المستويات الدنيا من الهرم، ولن يحصل على نسبة من المشتركين فإنه لن يشترك ولن يشتري هذه السلع، فالطريقة التي تتعامل بها هذه الشركات تنطوي على الحيلة وخداع للناس وإغرائهم بالثراء، مع علمها بعدم تحقق ذلك لمعظم من يستجيبون لها، ولذا فهي غالباً ما تستهدف في دعايتها الفقراء وذوي الدخل المحدود، وتداعب أحلام الثراء عندهم ليُقبلوا عليها بنهم ورغبة، وهذا أعظم في الخداع والغبن الفاحش.
3- أنه أكل لأموال الناس بالباطل: وذلك أن المشتري الأعلى في هذه الشركات يأخذ عمولة على جذبه لمشترٍ جديد، والمشتري الجديد ومَن تحته يدخلون في رصيد الأول، فيستحق نسبة على جميع مشترياتهم وأرباحهم، فالمشترك الأول يأكل من جهد غيره بغير حق، ولا يمكن اعتبار ذلك من قبيل السمسرة أو الجعالة؛ لسببين:
أولهما: أن مَن سوّق لهذه الشركات وأدخل فيها مستهلكين وأعضاء لا يستطيع أن يتحصل على الربح أو المقابل إلا إذا اشترى هو البضاعة، فحصولُه على العمولة مشروط. أما السمسرة والجعالة المشروعة فهي بذل جهد مقابل مال معلوم دون اشتراط لعقد آخر، فهذا الاشتراط يلغي كونها سمسرة أو جعالة.
الثاني: أن المسوّق في التسويق الهرمي يأخذ عمولته من جهده وجهود غيره من العملاء ممن هم تحته في الشبكة، ويبقى مستحقاً لهذه النسبة أو العمولة دائماً، أما في السمسرة والجعالة المشروعة فإنه يأخذ المال على ما يبذله من جهده فقط، وينتهي استحقاقه بانتهاء عمله.
4- شبهة الوقوع في الربا: بنوعيه ربا الفضل وربا النسيئة، فمحصلة هذه المعاملة هو أن يدفع المستهلك مبلغاً من المال (قيمة المنتج)، لينال عوضاً عنه مبلغاً آخر أكبر منه (العمولات)، مع التفاضل والتأخير، والمنتج غير مقصود للمشترك بالدرجة الأولى لولا الرغبة في الحصول على العمولة، بدليل توفر منتجات لشركات أخرى كثيرة ومتنوعة، وقد تكون أفضل من حيث الجودة والسعر، ومع ذلك يتركها المستهلك ويقصد منتجات تلك الشركة المعينة، وليس ذلك إلا طمعاً في الحصول على هذه المكاسب، وفي هذا شبهة أكل الربا.
5- احتواء العقد شروطاً غير مشروعة: كاشتراط العضوية للشراء، أو حصر العضوية من خلال أعضاء سابقين، أو اشتراط الشراء أو دفع الرسوم لابتداء العضوية أو استمرارها، وبلوغ عدد معين من المشتركين، واشتراط عقد في عقد آخر من معاني البيعتين في بيعة التي جاء الحديث بالنهي عنها، ومثل هذه الشروط ليست من جنس الشروط المباحة، فتكون داخلة في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً، أو أحل حراماً» رواه أبو داود والترمذي.
كما تحتوي هذه المعاملات على مخاطر اقتصادية واجتماعية عديدة، من أهمها:
– في طريقة التسويق الشبكي الهرمي تهديد للنظام الاقتصادي للدول التي تنشط فيها هذه الشركات؛ لأنها تقوم على سحب القوة النقدية بطريقة خفية، لتتجمع بأيدي أفراد قلائل في دول أخرى.
– تتضمّن خطراً أمنياً واجتماعياً لكون هذه الشركات تنشئ مجتمعاً منعزلاً خاصاً بها ينخرط به الأفراد المشتركون فيها فقط، ويبتعدون عن المجتمع، وتتقلص معاملاتهم ومشترياتهم من السوق المحلية رغبة في تعظيم النقاط والحصول على مكافآت، وفي المقابل تتضخم عوائد هذه الشركات من خلال زيادة المبيعات، وتمتلك بيانات ومعلومات هؤلاء الأشخاص الذين يصبحون مرتبطين بها.
– كما أنها تُنمي في الشخص الحصول على عوائد مالية مِن خلال الحصول على نسب أرباح المشتركين الجدد الذين ينسّبهم للشركة دون بذل جهد حقيقي مفيد ومنتج للمجتمع.
بالإضافة إلى المخاطر الصحية التي تتمثل في تناول مواد يُزعم أنها منتجات غذائية أو صحية أو طبيعية، بعيداً عن الإشراف الطبي.
وختاماً: فنذكّر إخواننا المسلمين بأنّ مَن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، وأنّ عليهم تحري الحلال الطيب، والبعد عما فيه حرام أو شبهة، وأن التعامل مع هذه الشركات لن يكون فيه زيادة رزق أو دخل، وعليهم بالتوكل على الله ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾، والحمد لله رب العالمين، والله تعالى أعلم.
وقد وقع على الفتوى من أعضاء المجلس السادة العلماء:
1- الشيخ أحمد حمادين الأحمد
2- الشيخ أحمد حوى
3- الشيخ أحمد زاهر سالم
4- الشيخ أسامة الرفاعي
5- الشيخ أيمن هاروش
6- الشيخ عبد الرحمن بكور
7- الشيخ عبد العزيز الخطيب
8- الشيخ عبد العليم عبد الله
9- الشيخ عبد المجيد البيانوني
10- الشيخ علي نايف شحود
11- الشيخ عماد الدين خيتي
12- الشيخ فايز الصلاح
13- الشيخ محمد جميل مصطفى
14- الشيخ محمد الزحيلي
15- الشيخ محمد زكريا المسعود
16- الشيخ محمد فايز عوض
17- الشيخ محمد معاذ الخن
18- الشيخ موسى الإبراهيم
19- الشيخ موفق العمر