بقلم: د. توفيق الواعي
رفقًا بالشباب فهم أسلم الأمة قلوبًا، وأطهرها لسانًا، وأعفها منطقًا، وأسلمها طويًة، وأنبلها قصدًا، وأطهرها نيلًا، وأرحمها فؤادًا، وأبيضها صفحةً، وأخلصها نجيًا.
رفقًا بالشباب فهم أمل المستقبل، وغرس الحاضر، ونهضة الغد، وأمل الحضارة، وعمد الصروح، وأعلام النصر، ورايات العز، وأسلحة الحق، وجند الإيمان.
رفقًا بالشباب فما استنجدت أمة بهم إلا نُجدت، وما اعتصمت بقوتهم إلا عُصمت، وما استجارت بحميتهم إلا أُجيرت، وما استمدت من عزمهم إلا أمدت، فهم الملاذ والموئل والاعتصام بعد الله وكتابه.
رفقًا بالشباب فهم سباقو غايات وبَلّاغو أمال، وطلّاعو أمجاد، لا يشق لهم غبار، ولا يثنى لهم عنان، ولا يدرك لهم مدى، ولا يلحق لهم شأو، ولا يبلغ لهم آفاق.
رفقًا بالشباب فما انتظم لأمة أمرًا إلا بهم، وما استقام لها طريق إلا على ضوئهم، وما استتب لهم أمن إلا بسواعدهم، وما اتسق لها عز إلا بعزمهم، ولا تهيأت لها رفعة إلا بفتوتهم.
رفقًا بالشباب فهو معذور يتلمس الطريق وحده، فلا مثل يُحتذى، ولا رشد يُبتغى، ولا عز يُقصد، ولا مجد يُرفع، ولا نصر ينهض، ولا مصباح يُضيء أو إصباح يُغلق.
رفقًا بالشباب فالطريق وعرة، والليل طويل، والرياح عاتية، والأمواج شديدة، والجراح غائرة، والأيام كئيبة، والحوادث جسام، والطوفان عارم.
رفقًا بالشباب فلا تبتروه من نسبه، ولا تقطعوه من لحمته، أو تفصلوه من عشيرته ووشيجة رحمه، أو تبعدوه عن قرابته، أو تحولوا بينه وبين عمومته وخؤولته وأصهاره، فإن بينه وبين تراثه صلة الرضاع ونسب المودة، وبينه وبين دينه ورسالته أصرة الأبوة، ولحمة البنوة، وعهد الوفاء، فلا تجعلوه دعيًا لصيقًا لفاجر، أو لقيطًا مهينًا لعاهر، أو ملحقًا ذليلًا لعاقر، أو ذيلًا وضيعًا لحيوان، لا تنزعوه من تربته أو تقطعوه من جذره أو تفصلوه عن حقله أو تمنعوه عن ورده، أو تحجبوه عن هوائه.
إن الشباب في حاجة إلى أبوة بحب، ونصح بعلم، وقيادة بمثل، وتوجيه بإخلاص، في حاجة إلى خطة واضحة، وطريق مدروس، وغاية مشعة، وهدف سامق، وأمل مشرق، في حاجة إلى رواد لهم حلوم، ودستور له إشعاع، وتعاليم لها مذاق، وأخلاق لها أريج، وليسوا في حاجة إلى سراب خادع، أو بروق خلب، أو أماني كذاب أو وعود عرقوب، ليسوا في حاجة إلى دجالين ومشعوذين وملوثين وسكارى وضالين أو مهرجين، ليسوا في حاجة إلى أمراض مستوردة أو جراثيم معلبة أو عمالة مغلفة، أو جهالة مضللة، فيا أيها الموجه أو المفكر أو القائد أو المتصدر:
إذا لم تستطع أن تكون طبيبًا بارعًا؛ فلا تكن حلاقًا جاهلًا!
وإذا لم تستطع أن تكون جراحًا ماهرًا؛ فلا تكن جزارًا فاتكًا!
وإذا لم تستطع أن تكون موجهًا فاضلًا؛ فلا تكن دجالًا عابثًا!
وإذا لم تستطع أن تكون معلمًا ذكيًا؛ فلا تكن مشعوذًا غبيًا!
وإذا لم تستطع أن تحمل الخير في سلتك؛ فلا تحمل الثعابين في جعبتك!
وإذا لم تستطع أن تحمل القلم النافع؛ فلا تحمل الخنجر القاطع!
إن شباب الأمة العربية والإسلامية ينتظره كفاح طويل وجهاد شاق ومسيرة صعبة في العلم والعمل، في الصناعة والتجارة، في الإنتاج والتفوق، في البذر والحرث، في الاكتشاف والابتكار، في القوة والعزة، في الآمال والأماني، ولا تنجح الخطط والأماني إلا إذا قوى الإيمان بها، وتوفر الإخلاص في سبيلها، وازداد الحماس لها، ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها، وتكاد تكون هذه الأركان الأربعة: الإيمان، والإخلاص والحماسة، والعمل، من خصائص الشباب؛ لأن أساس الإيمان القلب الذكي، وأساس الإخلاص الفؤاد النقي، وأساس الحماسة الشعور القوي، وأساس العمل العزم الفتي، وهذه كلها لا تكون إلا للشباب.
ومن هنا كان الشباب قديمًا وحديثًا في كل أمة عماد نهضتها، وفي كل نهضة سر قوتها، وفي كل فكرة حامل رايتها، وصدق الله العظيم إذ يقول في حقهم: (نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِٱلْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ءَامَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَٰهُمْ هُدًى) (الكهف: 13).
ومن هنا يجب أن تكثر العناية بالشباب، وتتوفر الرعاية للفتية؛ لأنهم فكر النهضة، وساعد الحركة، وراية الكفاح.
كما يجب أن يوجه الشباب عقائديًّا وفكريَّا نحو تراث أجداده، وتاريخ أمته، ورسالة سلفه وخلفه؛ ليكون ثابت الجذور، مرتفع الفروع جيد الثمار؛ لأنه من أخطر الأمور على الأمة الناهضة وعلى شبابها الغض في فجر نهضتها: اختلاف الدعوات، واختلاط الصيحات، وتعدد المناهج، وتباين الخطط والطرائق، فكل ذلك تفريق للجهود وتوزيع للقوى، يتعذر معه الوصول إلى الغايات.
وأنتم أيها الشباب، ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف، وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع، واكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البراقة.
أيها الشباب، لستم أضعف ممن قبلكم ممن حقق الله على أيديهم هذا المجد الوضاء الذي ما زالت البشرية إلى اليوم تعيش على ضوء سناه، فسيروا على بركة الله، فالله معكم، ولن يتركم أعمالكم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران: 200)