بقلم: د. هدى عبد الرحمن النمر
ثمة مقولة مفادها: «ليست العبرة بأن يكون لديك أفكار، وإنما العبرة بالأفكار الصحيحة»، ونحن نتفق مع هذه المقولة؛ لأن الصعوبة لا تكمن في إيجاد الأفكار، إذ رؤوسنا دائماً عامرة بخواطر وأفكار، وإنما في توليد الأفكار المناسبة لسياق معين.
في هذه المقالة نعرض 8 مفاتيح مقترحة لتنمية هذه المَلَكة:
حدد الغاية التي تسعى إليها:
سواء كنت تخطط لمقالة، أو لتصور عمل، أو لتنظيم فريق، أو لخطة شخصية، لا بد أن تسأل نفسك: ما الذي أقصده من هذا العمل؟ إن الأفكار كثيرة بلا شك، لكن العبرة بالأفكار التي تعنيك أو تتعلق بالسياق أو المقصد الذي تبتغيه، فلو أنك تكتب –مثلًا– مقالة عن أكثر أخطاء الإنشاء شيوعًا، لا ينفعك التفرع للكلام عن تاريخ نشأة علم الإملاء بتوسّع، إلا لو كنت ساعيًا لبحث مطوّل أو دراسة أكاديمية.
ما المتطلبات أو المعايير اللازمة؟
انتبه جيدًا لطبيعة ما أو من تولّد له الأفكار حتى لا تقع في فخ التشعب أو يُهدَر جهدك، فإذا كنت تكتب مقالة لموقع عليك مراجعة شروط وإعدادات الكتابة لديهم، وكذلك التأكد من إلمامك بمادة الموضوع لا الاكتفاء بميلك النفسي للكتابة أو بلاغة إنشائك؛ أو كنت تخطط لتنظيم فريق فلا بد من تعرف لأفراده وإلمام بمهام كل واحد منهم، بالإضافة لأهداف الفريق ككل، في هذا البند بالذات يخلط الكثيرون بين الإبداع والابتداع! فكونك مبدعًا لا يعني عدم إمكان التزامك أو انضباطك بمعايير لا تحجّم الإبداع، بل توجهه، من جهة أخرى، ليس كل ابتداع محمود إذا لم يكن معينًا على المطلوب.
لا تكتف بسؤال نفسك سؤالاً عاماً: ما المطلوب؟ بل لا بد من تحليل كيف الوصول للمطلوب؟
واحذر من الافتراضات المسبقة من نوع: بما أنه فريق من الفتيات فلا بد أنهن يفضلن الشعار الوردي أو الصياغة بضمير الأنثى، بل بادر لسؤال الأطراف المعنية بالمطلوب عن خصائص ما يطلبون.
حدد الأدوات والمعطيات المتاحة فعليًّا:
يهرع الكثيرون للتفكير العريض أو:
” Thinking Big “
في حين أن الإمكانات المتاحة لا تعين على ذلك، فيقعون بين إشكاليتي الإحباط وترك العمل بالكلية، أو التفرع والغرق في أحلام اليقظة واستنفار الجهود في استجلاب المفقود لتحقيق المأمول، والوسط بين هذين أن يكون لك تصور عام لا بأس فيه بكل التطلعات، ثم تنزل عنه درجة للتصور الممكن حالياً في ضوء المتوافر، أو ما يمكن توفيره دون تعسف، فتنجزه، ومن خلال إنجاز الممكن تأخذ الخطوات العملية بيدك لما يليه مما لم يكن ممكناً قبلاً.
مثال ذلك، التطلع لإنشاء مكتبة في الحي الذي تسكن فيه، إذا رحت تفكر على أساس مكتبة ستقع في إشكاليات تحصيل أذون رسمية، وتوفير ميزانية البناء والعمال.. إلخ، أما لو كانت البداية شيئًا كرفّ مكتبة في مكان عام، أو غرفة فائضة في بيتك مثلاً، فتلك انطلاقة أيسر بكثير.
ركّز في أفكارك على ما هو في طوقك أولًا قبل التفرع لما يتطلب شغل آخرين معك، لأنك تتحكم في نفسك وحركتها إلى حد كبير، لكن كلما اتسعت دائرة الآخرين تجد نفسك مشتتاً في ضبطهم ودفعهم للعمل والالتزام، وهذا قد يكون محبطاً حين تبدؤه مبكراً عن أوانه، لكن الناس تتحمس أكثر حين يكون ثمة خطوة عملية يتم البناء عليها.
نوّع موارد استمداد الإلهام:
من النافع تصفّح قصص وتجارب من سبقوك في المجال الذي تفكّر فيه أو لأجله، واحرص على تنويع مواردك، فالإلهام قد لا يتطلب مصدراً أحياناً بقدر ما يحتاج تجديداً وتغييراً في الأجواء، كنزهة أو تمشية في حديقة، أو تمدد على الشاطئ، أو مطالعة منظر طبيعي من قمة جبل أو أعلى بناية، أحِط نفسك ببيئات الإلهام تجد ينهمر عليك!
كذلك الاستفتاء والاستبانات من الوسائل النافعة في معرفة ما لدى الآخرين، وهي من الأدوات الميسورة جداً اليوم، فـ«الفيسبوك» يتيح خاصية:
” create a poll“
وهناك مواقع متخصصة في إعداد الاستبانات ومشاركة روابطها مثل:
“monkey survey”
تعوّد رسم الخرائط الذهنية:
يظن الكثيرون أن الأفكار تتوالد في شكل جمل متسلسلة أو عبارات طويلة، والحق أنها كثيراً ما تكون كلمات تبدو متقطعة غير مترابطة، إلا أن الخرائط الذهنية تجعل منها كلمات مفتاحية، جرب أن تدوّن الكلمات كما تخطر لك، ثم اجمعها في رسم خرائطي وكرره حتى تصل لشكل مرضٍ تم تصنيف الكلمات فيه لمفاتيح أفكار.
الإلهام صيد والكتابة قيد:
احتفظ بمفكرة أو ورقة وقلم في كل مكان حولك، حتى قرب سرير النوم ومكان تحضير المشروبات؛ لأن الخواطر تخطر فجأة فيكون الإشكال في تأجيل تفريغها أو تتركها تتوالد في الرأس بلا انضباط فتتزاحم وتنقطع في النهاية، ولا تعتمد على الأجهزة الحديثة في التدوين، لأنها تتطلب شحنًا أو اتصالاً بالكهرباء من جهة، ومن جهة أخرى فالكتابة باللمس أبطأ بكثير من خيار الورقة والقلم حتى تتاح سهولة الحركة وسرعة مواكبة تقاطر الخواطر.
لا تشتغل بالنقد في مرحلة التفكير:
من الضروري الوصول لمرحلة غربلة الأفكار واستبعاد غير الصالح منها لسياق ما، لكن الإشكال في موازاة هذا بمرحلة توليد الأفكار فتقع العرقلة الفكرية، في مرحلة توليد الأفكار دوّن كل الأفكار (بالشروط المذكورة أعلاه)، ثم يكون الترتيب والتصنيف والتنقيح لاحقًا، أحيانًا قد تتولد الأفكار المناسبة من الأفكار التي تبدو مستبعدة!
استفد من التكنولوجيا الحديثة:
ثمة مواقع مخصوصة تعين على توليد الأفكار، لا التفكير بدلًا عنك، منها مواقع مختصة باللغة الإنجليزية، مثل:
http://ideagenerator.creativitygames.net
أو مختلف منصات الذكاء الاصطناعي.
إن امتلاك القدرة على توليد الأفكار الصحيحة ليس مهارة ثانوية، بل هو جوهر التفكير الفعّال، وتدريب العقل على انتقاء الأفكار لا تكديسها، وعلى استحضار الفكرة المناسبة في الوقت المناسب، هو ما يجعل الإنسان مبدعًا ومؤثرًا.
وكما قال د. عبد الكريم بكار، في كتابه الماتع «فصول في التفكير الموضوعي»: إن القراءة لا تصنع مفكرًا عظيمًا وليست بديلًا عن التفكير، إن القراءة لا تمد العقل إلا بمواد المعرفة، لكن التفكير هو الذي يجعل ما نقرأه مُلْكنا.