آليات تمكين ذوي الإعاقة

بقلم: منى عبد الفتاح


يظل المعاق في مجتمعات عدة تحت وطأة المعاناة؛ جراء نظرة اجتماعية يشوبها النقص والخلل، تجاه

ذوي الإعاقة أو ذوي الاحتياجات الخاصة أو ذوي الهمم؛ الأمر الذي قد يضاعف من آلام تلك الفئة

التي لم تأخذ حقها بعد.

لنكن صرحاء عند طرح تلك القضية للنقاش، خاصة أن العديد من المفاهيم الخاطئة تثير اللبس،

وتخصم من حقوق أفراد فئة لا ذنب لهم في إعاقاتهم، على اختلاف أنواعها، بصرية أو سمعية أو

جسمية أو ذهنية أو نفسية.. أو غير ذلك.

وفق بيانات صادرة عن منظمة الصحة العالمية، فإن ما بين 13 إلى 15% من سكان العالم يعيشون

بنوع من الإعاقة؛ أي أكثر من مليار شخص في العالم لديهم شكل من أشكال الإعاقة، بينهم أكثر من

100 مليون طفل.


إساءة وقصور

جوانب القصور عديدة عند التعامل مع ذوي الإعاقة، وهي لب المعالجة عند تدشين آليات للتمكين

يجب أن تتجاوز النظرة السلبية والدونية لهم، بداية من «التحديق» باتجاه المعاق، وتسليط النظر

عليه، ومروراً بالتنمر عليهم وإطلاق صفات مسيئة ومهينة لهم، مثل أعمى وأخرس ومجنون

و«عبيط».. وغير ذلك من ألفاظ درج الناس على استخدامها في الشارع العربي.

يخطئ البعض من ذوي النوايا الحسنة، عند المسارعة بتقديم العون لذوي الإعاقة، دون اعتبار أن

بعضهم لا يحب من يُشعره بإعاقته، وقد يكون قادراً على خدمة نفسه، الأمر الذي يستلزم قدراً من

الحكمة عند التعامل مع هذه الفئة، بشكل راق ومتحضر، وإبداء كامل الاحترام والتقدير لهم، دون

ارتداء مظاهر العطف والشفقة.


إزاء ذلك، يتطلب تمكين ذوي الإعاقة رفع الوعي المجتمعي بنوع ودرجة الإعاقة، وآثارها، ومتطلبات

صاحبها، مع وقف التمييز ضدهم، والسماح لهم بالحياة التي يستحقونها، وتحقيق الاندماج الكامل لهم

في المجتمع.

بداية الوعي تكون بمعرفة حقوق ذوي الإعاقة، والإنصات إلى آرائهم في جميع القضايا، وتمثيلهم

بشكل عادل في مؤسسات الدولة، والإيمان بقدراتهم على النجاح والإنجاز، وتجاوز النظرة المسبقة

إليهم باعتبارهم معاقين، يستحقون الشفقة، لا المسؤولية والتكليف، حسب قدراتهم ومهاراتهم.


خطوات مطلوبة

لست في حاجة للتذكير بما حققه المعاقون في التاريخ الإسلامي، أمثال: الترمذي، والشاطبي،

والمعري، والجزري، والرافعي، وابن باز.. وغيرهم، للتدليل على نبوغ تلك الفئة، التي تتعرض للظلم،

والانتقاص من حقوقها مقارنة بالأسوياء.

الحقيقة الماثلة على أرض الواقع تفرض علينا تحديات عدة، يجب تذليلها؛ لتمكين المعاق؛ سياسياً

واقتصادياً واجتماعياً ورياضياً وإعلامياً، من خلال احترام حقوقه، وتوفير متطلباته، وتعزيز قدرته

على الوصول للخدمات المختلفة، وسن التشريعات التي تكفل ذلك، إضافة إلى تطوير مهاراته

وإمكاناته ببرامج تدريبية وتعليمية متطورة.

ومن الضروري توفير فرص عمل لذوي الإعاقة، وفتح آفاق واسعة أمامهم في سوق العمل، برواتب

مجزية، مع تكليفهم بمسؤوليات عالية الجودة، لا الانتقاص منهم -دون قصد- وإسناد مهام بسيطة

ومتواضعة لهم، وكذلك توليتهم المناصب الرفيعة والعليا، وتحويلهم إلى عناصر منتجة يمتلكون أقصى

درجة ممكنة من الفاعلية الوظيفية، لا أن يشعروا بأنهم عالة على المجتمع.

كذلك، تنصح الدراسات الحديثة بضرورة إتاحة وصول ذوي الإعاقة إلى البيانات والمعلومات

والخدمات، والأماكن والمرافق العامة، باستخدام لغة الإشارة و«بريل» والتقنيات المساعدة الأخرى،

مع إشراكهم في جميع أنشطة المجتمع.

تشمل آليات التمكين أيضاً مساءلة المتسببين في أي شكل من أشكال الإيذاء أو التمييز ضدهم أو

التنمر عليهم، ونشر التوعية بين أفراد المجتمع حول مفهوم الإيذاء، والآثار المترتبة عليه، وضمان

توفير الحماية من الإيذاء والتنمر، وتقديم المساعدة والدعم الصحي والنفسي لهم.


ومن الأهمية بمكان، إعداد قاعدة بيانات لذوي الإعاقة، تحدد أعدادهم، وأعمارهم، ونوع إعاقتهم،

والمهارات التي يتمتعون بها، وفرص العمل المناسبة لهم، مع تسويق إمكاناتهم وقدراتهم في سوق

التوظيف.


كلمة أخيرة

للتمكين أنواع عدة، منه ما هو تمكين فردي، وتمكين اجتماعي، وتمكين نفسي، وإداري، ووظيفي،

وهو ما يجب أن يتم بالتوازي، وفق خطط علمية، تستند إلى العلم والمعرفة، وقبل ذلك، إلى التكافل

والتراحم والتضامن، ليكون ذوو الإعاقة عاملاً رئيساً في البناء الحضاري، ولبنة في طريق التقدم

والنهوض.

إن الفكر الواعي، والعمل المخلص، والخطوات المدروسة، قد تحول الإعاقة من عامل سلبي إلى

إيجابي، ومن ثغرة ضعف في البناء الاجتماعي -هكذا يظن البعض- إلى عامل قوة، إذا أحسنا جميعاً

حمايته وتأهيله ودمجه في المجتمع.

يمكننا الاستثمار في العنصر البشري، وتحويل ذوي الإعاقة إلى قوة دفع، وطاقة من الهمة والعزيمة،

يقارعون الأسوياء، بل ويتفوقون عليهم، والنظر إليهم كقوى بشرية عاملة تسهم في تنمية الاقتصاد،

ونهضة الشعوب.

Explore More About Us

You May Also Like To Read

Contact Us

Subscribe to our Newsletter

@2023 – All Right Reserved. Designed and Developed by AATWorld

About Us

Here in the AAT Group, Traders, Businessmen, Manufacturers, Importers, and Exporters get to know each other and cooperate despite the distances, countries, and different languages.

Feature Posts

Newsletters

Never Miss an Offer

Join our mailing list to receive the latest product news and industry updates from AAT World.

@2025  AATWorld  | All rights reserved.Reserved.