بقلم: أ. د. زيد بن محمد الرماني
إن العالم بحاجة إلى تغيير الاتجاهات البيئية وتقويم النظم الاقتصادية، وتعديل الأنماط البيئية والاقتصادية والاجتماعية، بما يحقق التنمية الاقتصادية الملائمة، ويشبع الحاجات الإنسانية الأساسية، ويحافظ على سلامة البيئة من خلال اعتماد تقويم دقيق لاعتبارات البيئة، حفاظاً على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والبيئي؛ ذلك أن توفير الاستقرار الاقتصادي لا يتم إلا عن طريق تحقيق مبدأ التنمية المستدامة. إن للتنمية المستدامة ثلاثة أبعاد رئيسة متكاملة؛ بيئية واجتماعية واقتصادية، فثراء البشرية ونموها الاقتصادي يعتمد على موارد البيئة التي تعد كافية لحاجات الكائنات الحية، إذا ما استخدمت بفاعلية؛ لأن النمو الاقتصادي ورعاية البيئة مترابطان، كما أن مفتاح التنمية يقع في مشاركة الناس وتنظيمهم وتعليمهم، فالتنمية ينبغي أن تكون ملائمة للبيئة ومواردها، وكذلك للثقافة والتاريخ والنظم الاجتماعية في الموقع الذي تجرى فيه. الاستدامة مبدأ يقول: إن النمو الاقتصادي والتطور لا بد أن يقوما ويحافظ عليهما ضمن الحدود البيئية، من خلال العلاقات المتبادلة بين الناس وأفعالهم، والمحيط الحيوي والسنن التي تحكمه، والاستدامة مبدأ يعني تحقيق مستوى معقول من الرخاء والأمن لجميع أفراد المجتمع بين الدول النامية، ولذلك يُعدّ أمراً أساسياً لحماية التوازن البيئي. لقد بدأت الكتابات التنموية الجديدة تؤكد أن البيئة ليست وسيلة لتحقيق التنمية، بل غاية في حد ذاتها، ولربما كانت التنمية في النهاية السعي من أجل تطوير وإغناء البيئة، إن التنمية لكي تكون تنمية ناجحة لا بد أن تكون منسجمة مع البيئة، هذه التنمية المنسجمة مع شروط وضوابط البيئة هي التنمية المستدامة. إن التنمية المستدامة خطوة ضرورية لتجاوز التدهور البيئي والمأزق التنموي العميق في العالم المعاصر، إذ إن مستقبل العالم أصبح مرتبطاً بالتخطيط لتنمية دائمة ومتواصلة ومتجددة تلبي احتياجات الحاضر دون أن تضحي بمتطلبات المستقبل. التنمية المستدامة هي التنمية التي تنطلق من هذه المبادئ وتحقيق التوازن بين التنمية والبيئة، وبين الإنتاج والاستهلاك، وبين قدرة البيئة على العطاء وقدرتها على التحمل. إن التحدي أمام المجتمع الدولي الآن هو كيف يمكن تحقيق تنمية اقتصادية ورفاهية اجتماعية بأقل قدر من استهلاك الموارد الطبيعية وبالحد الأدنى من التلوث والإضرار بالبيئة، هذا هو جوهر التنمية المستدامة التي تم إقرارها في «قمة الأرض» عام 1992م، التي تحولت إلى واحدة من أهم الإضافات الجديدة والجادة للفكر التنموي العالمي. لقد أصبحت التنمية المستدامة تعني أموراً مختلفة، وذلك اعتماداً على ما يعتقد أنه العنصر المهم في تحديد تعريف للمفهوم، فهناك مَنْ يركز على أن عنصر البيئة هو أهم عناصر التنمية المستدامة، حيث كانت البيئة والاعتبارات البيئية مهملة ليس في التخطيط التنموي فحسب، بل وفي التخطيط الاقتصادي والاجتماعي. وهناك مَنْ يركز على عنصر الموارد الطبيعية وكيفية إدارتها وتعظيم المنفعة من استخدامها والأساليب الممكنة للإبقاء والمحافظة عليها. وهناك مَنْ يعتقد أن جوهر التنمية المستدامة التفكير في المستقبل، وفي مصير الأجيال القادمة، وهناك مَنْ يعتقد أن جوهر التنمية المستدامة هو عنصر المشاركة في إدارة التنمية وخاصة على الصعيد المحلي، حيث إن التنمية المستدامة هي أساساً التنمية التي تتم على الصعيد المحلي، وهناك مَنْ يرى أن هدف التنمية المستدامة المباشر هو القضاء على الفقر.
وفيما يلي أهم الاستخدامات المتعددة للتنمية المستدامة التي تبرز أهم السمات المميزة للتنمية المستدامة، على النحو التالي: – التنمية المستدامة تختلف عن أشكال التنمية الأخرى، في كونها أشد تداخلاً وأكثر تعقيداً وخاصة فيما يتعلق بما هو طبيعي وما هو اجتماعي في التنمية. – التنمية المستدامة تتوجه أساساً إلى تلبية متطلبات واحتياجات أكثر الشرائح فقراً في المجتمع، وتسعى إلى الحد من تفاقم ظاهرة الفقر في العالم. – للتنمية المستدامة بُعْدٌ نوعي يتعلق بتطوير الجوانب الروحية، والثقافية، والإبقاء على الخصوصية الحضارية للمجتمعات. – لا يمكن في حالة التنمية المستدامة فصل عناصرها وقياس مؤشراتها، لشدة تداخل الأبعاد الكميةوالنوعية