بقلم: شيماء احمد
هل جلست مع ابنك لاستذكار دروسه، ثم فوجئت به يغيب برهة على هاتفه ويأتيك بإجابات لكل الأسئلة التي طرحها المعلم في الفصل؛ كلنا نعيش الدهشة ذاتها بظهور الأجيال الجديدة لأدوات الذكاء الاصطناعي، التي تحل تدريجيًا محل البشر، وبقدر ما تحمل من آمال، فإنها تنطوي على تحديات ومخاوف أكبر!
ويعد الذكاء الاصطناعي «AI» فرعاً من العلوم الحاسوبية التي تركز على حل المشكلات الإدراكية والمعرفية المتعلقة بالقدرات البشرية وبسرعة فائقة؛ ومن تلك القدرات التي يحل الروبوت فيها محل البشر كل من الإدراك البصري والسمعي والتخطيط وتحليل البيانات وصنع القرار والتعلم والتأليف والتصميم، وتعد استخدامات الذكاء الحديث مذهلة في حقول الصناعة والطب والتعليم والمصارف وغيرها من المجالات، ولذا فمن المتوقع بحلول عام 2030م أن يضيف الذكاء الاصطناعي 15 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي.
يحدث ذلك لأن آلية عمل الذكاء الاصطناعي المصممة على هيئة خوارزميات تعمل تماماً مثل العقل البشري وشبكاته العصبية، وتقدم تحليلاً أعمق للبيانات لفهم علاقاتها، وهو ما يسمى بـ«التعلم العميق» (DL)، ومنه جاء «الذكاء التوليدي» (Gen AI) الذي يمكنه تكوين تصورات أعمق من المنطق البسيط، وتذهب حتى كتابة القصائد والأعمال الإبداعية.
ولا تقدم لأمة الإسلام بغير أخذ حقيقي للعلوم الحديثة ومسارعة في ركب التقدم، وقطعًا فإن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، لا سيما في الآلات والروبوتات، وتكنولوجيا النانو، وتكنولوجيا الفضاء، والتكنولوجيا الحيوية، والحوسبة، وكل ما يتعلق بالطفرة المعلوماتية التي غيَّرت شكل المجتمعات، تأتي في مقدمة ما يلزم للمسلم المعاصر الإلمام به، ودفع أبنائنا لتعلمه.
كيف نواجه مخاوف الملكية الفكرية؟
تواجه تطبيقات الذكاء الاصطناعي عاصفة من قلق الآباء وقادة الرأي؛ فيتساءل الناشر: هل المؤلف يعطيني عصارة فكره أم فكر الروبوت؟ ويتساءل المعلم داخل الفصل، وكافة المؤسسات تقريباً من جامعات لمراكز أبحاث، بل وحتى داخل الأروقة الإبداعية وقد رأينا معارض فنية وروايات وقصصاً يتم إعدادها بالذكاء الحديث!
لذا، يتساءل الآباء: هل سيكتسب أبناؤنا آفة الاستسهال، وهنا يتحول دورهم لمجرد سائق عربة الذكاء الاصطناعي، بعيداً عن تنمية ملكات العقل والقراءة والإبداع؟
لهذا السبب، ومنذ ظهر «ChatGPT»، في عام 2022م، انتشرت محاولات تدشين جدران الحماية للتصدي لمحاولات الغش وكشف التدليس باستخدام تلك التقنيات، وعن ذلك يقول د. فوغان كونولي، الأستاذ الزائر في جامعة كامبريدج: إنه على المدرسين توعية الطلاب بشأن النزاهة الدراسية، وأن يبنوا الثقة حول استخدام الذكاء الاصطناعي.
تعلّم تفاعلي يتخطّى الحدود
على جانب آخر، هناك ميزات حقيقية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي يمكنها أن تسهم بشكل فعّال في العملية التعليمية وتوسع من أطر التخيل والمعايشة للطلاب في دراسة المواد العلمية (كأن تبحر في جسم الإنسان أو قاع البحار والمحيطات أو عصور تاريخية معينة ومواقع لم تطأها قدمك في العالم وتتعرف عليها بشكل تفصيلي)، كما يمكن الاستعانة بها في تدريس كل العلوم والآداب بشكل ممتع وتفاعلي.
تمكن تلك التطبيقات المعلمين حول العالم من شرح الدروس بشكل ممتع وتقييم أداء الطلاب ومتابعتهم، وحثهم على المشاركة والتفاعل الخلّاق، مع إمكانيات أوسع لإعادة أجزاء بعينها من الدروس بأشكال أكثر سهولة لمن يعاني صعوبة الفهم.
وقد أدمجت كبريات دول العالم ومنها اليابان وأستراليا، الذكاء الاصطناعي، في مناهجها التعليمية بفضل قدرته على تقديم تجربة أكثر ثراء ومتعة في التعلم، بما في ذلك التعلم باللعب (Gamification)، والتعرف الصوتي (Voice Recognition)، والمحادثة الروبوتية (Chatbot)، والواقع الافتراضي والمعزز (AR)، التي تتواءم جميعاً مع احتياجات المتعلم الفردية ومرحلته العمرية، بل وتخطي عقبات الجغرافيا التي حالت طويلاً دون إدراج الطلاب في صفوف التعليم، خاصة في أزمنة الحروب والطوارئ أو الكوارث الطبيعية والأوبئة، وهو ما يُعرف بـ«التعلم عن بُعد»، وتوفير معلمين افتراضيين أيضاً لكافة الدروس في مراحل التعليم «Virtual Teacher».
الطفل المسلم في عصر الذكاء
في دراستها حول تعلم الطفل المسلم في عصر «مجتمع 5» الحديث، أو المرتبط بالذكاء الاصطناعي تؤكد Chissya El-Laudza، وهي أستاذة في الجامعة المحمدية الإندونيسية، أن مهمة الآباء والمعلمين تبدو أكثر تعقيداً حالياً، فهم يواجهون جيلاً يعتمد على صور التعلم الحديثة بعيداً عن الكتب، ومن هنا تصبح المهمة هي إدماج العلوم الشرعية وحفظ القرآن ومعرفة سير الأنبياء والصحابة ومفاصل التاريخ المهمة لأمتنا، والعلوم الحديثة الدنيوية، في منظومة التفاعلية، تضمن الاحتكاك عن قرب وتشرّب الكثير من المضامين وممارسة الإبداع.
لكن كيف يمكن للمعلمين تجنب أخطار الذكاء الاصطناعي؟ هنا يجيب البروفيسور ديفيد ويليامز، خبير التعليم بجامعة ويسكنسن الأمريكية، يقول: إن لغة الذكاء الاصطناعي متاحة وميسرة للطلاب للبحث والاطلاع على نطاق واسع، لهذا على المعلمين أن يعتمدوا على تمارين لا تعتمد على سرد تعريفات وتلخيصات، وهي أشياء يجيد الروبوت صنعها، وينطلقوا لأسئلة تقيس مستوى إدراك الطالب النقدي وتحليله لما قرأ بشكلٍ شخصي.
ومن جهة ثانية –يضيف روبنسون- يمكن للمعلمين أن يجعلوا من الدرس أكثر إثارة للفكر، وأن يحثوا الطلاب على التفكير في إجابات «التشات بوت» نفسه هل هي ملائمة لقيمنا وأفكارنا وخاصة في الدين والقيم؟ وأن يدركوا كيف يستخدموا تلك الوسيلة الخطيرة التي لا يمكن تفاديها –أحببناها أم لا- فيما ينفع عالمنا، من مثل التنبؤ بالأخطار التي تحيط بالوطن، على الطلاب ثالثًا أن يدركوا فنيات التعامل مع التشات الذكي، وكيف يضعون أفضل جمل البحث ويطورونها للحصول على أفضل الإجابات! وكيف يمكنهم رابعًا أن يستخدموا تلك النتائج للحصول على فوائد ملموسة في الحياة.
دورنا هنا كمجتمع مسلم هو تربية جيل متسلح بتقنيات العصر، مع عدم إغفال الخلفية الأخلاقية والغائية من استخدام تلك الأدوات، وبحيث يمكن الجيل الجديد من قيادة قطار الذكاء الاصطناعي نحو بناء مجتمعاتهم والإبداع في حل مشكلات عصرهم، وإجراء تجارب المحاكاة لتجنب الأخطار المحتملة، والأهم تغذية خوارزميات الذكاء الغربية بحيث لا تخرج النتائج متحيزة ضد العرب والإسلام، ومواجهة أعدائهم المدججين بالتكنولوجيا (تستخدم «إسرائيل» أسلحة ذكية ضد الأبرياء في غزة ولبنان).
يمكننا أيضاً الانطلاق عبر هذا العالم لتصحيح الصور النمطية عن الإسلام والمسلمين، وخلق تواصل افتراضي فعّال بين شباب المسلمين حول العالم، والاستفادة في مجالات ترجمات القرآن للغات جديدة والبحث عن الفتاوى العصرية الموثقة، وتكوين رأي عام مسلم فاعل عابر للحدود.