من نفط الأرض إلى طاقة “الجرافين”… هل نُصنِِّع مستقبلنا قبل أن يُصنِّعنا!؟

بقلم: د. هبة جمال

في عالم يتغير أسرع من أن تُلاحقه الاقتصادات التقليدية، تقف الدول الريعية، ومنها العديد من الدول العربية، على مفترق طرق مصيري: إما التمترس خلف مواردها الأحفورية، أو القفز إلى قطار الابتكار والتكنولوجيا النظيفة قبل أن يفوت الأوان، ومن بين أبرز ملامح هذا المستقبل، تبرز تقنيات «ما بعد النفط»، مثل الجرافين وبطاريات الحالة الصلبة، التي قد تعيد تشكيل أسس الاقتصاد العالمي كما نعرفه.

فهل يمكن لدولنا أن تنتقل من مجرد مصدر للنفط، إلى مُنتِج للطاقة الخضراء؟ وهل لدينا من البنية العلمية والسياسية ما يؤهلنا للدخول في هذا السباق التقني العالمي؟

التقنيات الخارقة.. من الجرافين إلى البطاريات الذكية

الجرافين، ذلك «العنصر المعجزة»، عبارة عن طبقة واحدة من الكربون بسمك ذرة، لكنه أقوى من الفولاذ بمائتي مرة، وأكثر توصيلًا للكهرباء من النحاس، إمكاناته الهائلة في تخزين الطاقة، وتحسين أداء البطاريات، تجعله مرشحًا ثوريًا لتغيير طريقة توليد الطاقة وتخزينها.

أما بطاريات الحالة الصلبة فهي جيل جديد من البطاريات يَعِد بزيادة عمر البطارية، وسرعة الشحن، والسلامة الحرارية، هذه البطاريات لم تعد حُلمًا، فقد بدأت شركات كبرى، مثل تويوتا وسامسونج، ضخ استثمارات ضخمة لإنتاجها تجاريًا.

تحول إستراتيجي في الاقتصاد العالمي

دخول هذه التقنيات إلى السوق يعني أكثر من مجرد تقدم تكنولوجي؛ إنه انقلاب اقتصادي صامت:

– تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري لصالح تقنيات تخزين الطاقة المتجددة.

– تراجع مكانة الدول المنتجة للنفط إن لم تُسرع في تبني هذه التقنيات أو الاستثمار فيها.

– صعود قوى صناعية جديدة تمتلك المعرفة والقدرة على تصنيع مواد فائقة مثل الجرافين، وليس فقط استخدامها.

وبالتالي، من لا يمتلك عقل الابتكار لن يمتلك يد الصناعة، ومن لا يمتلك الصناعة، لن يمتلك التأثير الاقتصادي في عالم ما بعد الطاقة الأحفورية.

أين نحن من هذه الطفرة؟

بدأت بعض الاقتصادات العربية، مثل الكويت والسعودية والإمارات ومصر، خطوات لافتة نحو الاستثمار في الطاقات النظيفة، سواء ضمن رؤى وطنية مثل «كويت 2035»، أو «رؤية السعودية 2030»، لكن التحدي اليوم لم يعد مجرد تنويع اقتصادي تقليدي، بل يتمثل في تحويل رأس المال النفطي إلى رأسمال علمي وتقني قادر على إنتاج المعرفة وتصديرها.

ولعل من أبرز المؤشرات العالمية على هذا التحول، ما تشير إليه التقديرات هو أن سوق بطاريات الحالة الصلبة ستبلغ مستويات قياسية بحلول عام 2030م؛ ما يعكس السباق العالمي المحموم نحو اعتمادها كركيزة رئيسة في تحول الطاقة، وفي هذا السياق، وفي موازاة ذلك، يجري تطوير بطاريات تستخدم الجرافين كمادة ثورية في تخزين الطاقة؛ ما يفتح آفاقًا جديدة لابتكارات تتفوق حتى على الليثيوم من حيث الكفاءة والوزن، وهنا تبرز تساؤلات مصيرية:

– هل تمتلك الاقتصادات العربية مراكز أبحاث تعمل على تطوير الجرافين أو البطاريات الفائقة؟

– هل لدينا شراكات إستراتيجية مع جامعات وشركات عالمية متخصصة؟

– هل يتم إعداد جيل قادر على قيادة هذه الصناعات لا استهلاكها فقط؟

فرصة لا تُقدَّر بثمن

بدلًا من أن نكون آخر من يستخدم هذه التقنيات، يمكن أن نكون أول من يُصدِّرها إقليميًا، وبدلًا من بيع النفط الخام، يمكننا تصدير بطاريات ذكية تُشغِّل سيارات المستقبل، ولن تكون هذه أحلامًا وردية إذا ما توافرت الإرادة السياسية، والرؤية العلمية، والاستثمار الذكي.

في عالم تتحرك فيه التكنولوجيا أسرع من عائدات النفط، لم يعد كافيًا أن نسأل: كيف نحمي اقتصادنا من تقلبات السوق؟ بل علينا أن نسأل: كيف نصنع نحن السوق؟

إن التحول من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد معرفي يبدأ بفكرة، لكن نجاحه يُقاس بالقدرة على تصنيع تلك الفكرة.

فإما أن نُصنِّع مستقبلنا، أو نُستَهلَك في مستقبلٍ صَنَعه غيرنا.

تواصل معنا

انضم إلى نشرتنا الاخبارية

حقوق الملكية ©AATWorld 2023. جميع الحقوق محفوظة. AATWorld

من نحن

هنا في مجموعة AAT ، يتعرف التجار ورجال الأعمال والمصنعون والمستوردون والمصدرون على بعضهم البعض ويتعاونون على الرغم من المسافات والبلدان واللغات المختلفة.

الاخبار

Newsletters

لا تخسر العروض والفرص التجارية

انضم إلى قائمتنا البريدية لتلقي آخر أخبار المنتجات وتحديثات الصناعة من التجارة العربية الآسيوية

2025@ AATWorld  | جميع الحقوق محفوظة.