ربما تشكو من الفراغ، أو أنك لا تدري ماذا تفعل للاستفادة من وقتك، وقد يضيع وقتك في أمور تضر ولا تنفع، وقد يتحول فراغك إلى نقمة، ومهلكة، خاصة إذا أدمنت البقاء في منطقة الراحة والخمول.
لكن المسلم الكيّس هو من يستثمر فراغه، ويحول جلّ وقته إلى ثروة، ومنجز في حياته وعمله، وهو الفطن إلى ما في الفراغ من فوائد، وقد ذكرنا الرسول الكريم، بذلك، فقال ﷺ: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ؛ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ» (رواه البخاري).
يقول ابن القيم، في كتابه «تهذيب مدارج السالكين»: إن عمارة الوقت تكون بالاشتغال في جميع آناء الوقت بما يقرب إلى الله، أو يعين على ذلك من مأكل، أو مشرب، أو منكح، أو منام، أو راحة، فإنه متى أخذها بنية القوة على ما يحبه الله وتجنب ما يسخطه، كانت من عمارة الوقت، وإن كان له فيها أتم لذة، فلا تحسب عمارة الوقت بهجر اللذات والطيبات.
وقد يكون الفراغ أزمة في حد ذاته، يعانيها الشباب والمراهقون تحديداً، خاصة أنهم لم يتحملوا الأعباء الحياتية، مثل العمل، ومسؤوليات الزواج، وتربية الأبناء، وغيره، مما يشغل الكبار، لذلك الحديث يتوجه إليهم خاصة، في تلك السطور؛ للتحرر من أسر الملل، وتحويل الفراغ إلى طاقة إيجابية.
بداية، هل فكرت في تعلّم مهارة جديدة، تعينك مثلاً على الإصلاحات في منزلك، من نجارة وحدادة وسباكة وغيره، مع الاستعانة بأهل الخبرة، أو توظيف الدورات المتاحة عبر الإنترنت، في القيام بمهمة ما تتطلبها أسرتك، أو إصلاح سيارتك مثلاً، والقيام بالأمور البسيطة مثل تغيير الزيت، وإصلاح فلاتر الوقود، وتنظيف السيارة.
الأمر قد لا يستهوي البعض من الشباب، فلم لا تجرب زراعة حديقة منزلك، وتزيين بيتك، وإضافة لمسة جمالية على أركانه، والتخلص من الفوضى في جنباته، والأشياء القديمة التي لم تعد في حاجة إليها؟! مع الأخذ في الاعتبار أن ترتيب منزلك سيساعدك على التخلص من الملل والفوضى، ويمنحك إحساساً بالنظام والأمل، وأنك سترتب أولوياتك كما رتبت حجرتك ومنزلك.
وقد يتهرّب البعض من بذل جهد بدني للتخلص من فراغه، فهو يبحث عن عمل سهل، ومهمة بسيطة، فوراً أخرج هاتفك، واتصل بأقاربك مستشعراً أهمية صلة الرحم، والسؤال عن أحوالهم والدعاء لهم، وقتها ستظفر بدعوات طيبة منهم تعيد لك الحيوية والإيمان، يقول النبي ﷺ: «مَن أحبَّ أن يُبْسَط له في رزقه، وأن يُنسأ له في أثره فليصل رحمه» (رواه البخاري).
أما إذا كان الملل يطاردك، وغالباً ما يستهويك حاسبك الآلي، فلم لا تتعلم مهارة ما مثل «الفوتوشوب» و«الجرافيك» وإدخال البيانات بسرعة كبيرة، وغيرها من المهارات التي يتطلبها سوق العمل؟ ولماذا لا تحصل على دورة تدريبية في ذلك، بل يمكنك العمل على اكتساب مهارات تصميم المواقع، وتنظيم حملات الدعاية والتسويق، وغيرها من المهارات التي ستحقق لك ربحاً كبيراً، وتحول فراغك إلى ثورة؟!
وهناك من يتحرّر من الفراغ بسرعة عبر الرياضة، فتجده يسبح أو يلعب كرة القدم، أو يجري، أو يستقل دراجته، أو يمتطي جواده، المهم أن يمارس الرياضة، لا يشاهدها فقط، فيتجدد نشاطه، ويستعيد حيويته، وقد يشارك في مسابقات مدرسية أو محلية أو دولية، فيصبح لديه هدف يسعى إلى تحقيقه، مجدداً نيته لله بأنه يحقق في نفسه قول رسول الله ﷺ: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان» (رواه مسلم).
ومن الحكمة أن تلجأ إلى القراءة، فقد تمنحك حلولاً جاذبة لتبديد فراغك، ولتكن القراءة السريعة، أو تصفح كتاب ما، أو مطالعة ديوان شعر، أو مشاهدة صور ذكرياتك، أو مشاهدة فيلم وثائقي، أو عمل فني هادف، المهم أن تتوقف عن وضعية اللافعل، وتحفز عقلك بالقراءة، التي تجعل العقل في حالة نشاط مستمر، كما تحافظ على سلامة الدماغ وتزيد من قدراته على التركيز والتحليل والاستنتاج السليم، وفق دراسات حديثة.
ومن أعظم الأعمال التي تحول الفراغ إلى ثروة، فعل الخيرات، اغرس شجرة مثلاً، أو قدِّم طعاماً لفقير، أو شارك في عمل تطوعي، قم بنشاط خيري، أو اذهب للتبرع لمستشفى ما أو دار للأيتام؛ لأن فعل الخير سينعكس عليك بالإيجاب، ستشعر أن حياتك لها قيمة.