أصبح الذكاء الاصطناعي يستخدم في كل المجالات تقريبًا ومنها: المجال الطبي؛ إذ يستخدم بنحو متزايد في المؤسسات الطبية، ويمكن أن يعزز أو يؤدي بنحو كامل بعض المهام التي يقوم بها الأطباء
لذلك يجب على طلاب الطب أن يفكروا في الطريقة التي يمكن للذكاء الاصطناعي من خلالها أن يغير طريقة عمل الأطباء، وما التخصصات الطبية الأكثر تأثرًا بتطور الذكاء الاصطناعي وذلك قبل اختيار التخصص الطبي الذي يرغبون في دراسته.
يُعد هذا الأمر مهمًا لطلاب الطب بالنظر إلى الاستثمار الكبير في الوقت للتدرب على التخصص الذي يختارونه، والجهد المبذول في الدراسة؛ إذ يرتبط تطور الذكاء الاصطناعي بظهور مخاوف تتعلق باحتمالية التخلي عن بعض الاختصاصات الطبية وتطوير أدوات ذكاء اصطناعي تعمل بدلًا من الأطباء، أو تكون بمنزلة مساعد أساسي يتولى معظم المهام الطبية؛ مما يؤثر في أجور الأطباء.
وقد نشأت مخاوف مماثلة تتعلق باحتمالية اختفاء بعض الوظائف مع الثورة الصناعية في المدة الممتدة من عام 1760 إلى 1840، فقد كان هناك قلق من التخلي عن العمال مع اختراع الآلات الصناعية الجديدة، وبالفعل اختفت بعض الوظائف بنحو كامل، ولكن ظهرت وظائف أخرى جديدة بسبب الحاجة إلى البشر للعناية بالآلات وإصلاحها.
من المُتوقع أن تسلك ثورة الذكاء الاصطناعي مسارًا مماثلًا، ولكنها ستكون أسرع بكثير. ومع بدء الذكاء الاصطناعي بتغيير الممارسات الطبية، فقد يغير أيضًا احتياجات القوى العاملة الطبية بطرق مختلفة.
وفيما يلي سنذكر بعض التخصصات الطبية التي قد يُستخدم فيها الذكاء الاصطناعي بكثرة ويقوم بجزء كبير من مهام الأطباء في المستقبل:
1- تخصص الأشعة التشخيصية:
يستخدم أطباء الأشعة التشخيصية تقنيات التصوير المختلفة لتشخيص الأمراض، وتشمل: الأشعة السينية، والتصوير المقطعي المحوسب، والتصوير بالرنين المغناطيسي، والموجات فوق الصوتية.
تتمتع خوارزميات الذكاء الاصطناعي بقدرة كبيرة على تحليل أنماط الصور والبيانات الرقمية، وفي دراسة أُجريت في عام 2019، جرت مقارنة بين قراءات نموذج الذكاء الاصطناعي المستقل دون مدخلات أخصائي الأشعة وقراءات 101 أخصائي أشعة لتحليل 2652 صورة مصورة بالأشعة السينية للثدي لاكتشاف حالات سرطان الثدي، ووجدت الدراسة أن الذكاء الاصطناعي كان جيدًا في تحليل الصور تمامًا مثل أخصائي الأشعة.
وفي دراسة أخرى أجريت في عام 2023، أدت مساعدة الذكاء الاصطناعي في قراءة صور الصدر المصورة بالأشعة السينية إلى تحسين اكتشاف التشوهات المرتبطة بحالة استرواح الصدر (Pneumothorax) بنسبة تبلغ 26%، والعقيدات الرئوية (Pulmonary nodules) التي يمكن أن تكون علامة مبكرة على وجود ورم في الرئة بنسبة تبلغ 9%.
في المستقبل القريب، من المُتوقع أن يصبح الذكاء الاصطناعي بمنزلة معاون أساسي لأطباء الأشعة. ولكن في المستقبل البعيد، قد تقل الحاجة إلى أطباء الأشعة مع تطور الذكاء الاصطناعي وظهور أدوات عالية الدقة يمكنها تحليل الصور الطبية المختلفة بسرعة.
2- علم الأمراض:
يتضمن علم الأمراض إجراء التشخيصات من خلال فحص الأنسجة والخلايا والسوائل الجسدية باستخدام أدوات مخبرية. ومثل علم الأشعة، يمكن للخوارزميات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي تحليل الشرائح الرقمية المستخدمة في علم الأمراض؛ مما يعزز اكتشاف السرطان، وتصنيف الأورام، وتقدير المؤشرات الحيوية.
أظهرت دراسة أُجريت في عام 2022 أن نموذج الذكاء الاصطناعي الذي طُوّر للمساعدة في تشخيص الحالات الطبية المرتبطة بالأنسجة، حسّن بنحو كبير دقة التشخيص لمشكلات الأنسجة الرخوة المخاطية التي يجد علماء الأمراض صعوبة في تشخيصها بسبب التداخل النسيجي المعقد، وقد بلغت دقة نموذج الذكاء الاصطناعي 97% مقارنة بنسبة تبلغ 70% لعلماء الأمراض، وقد انخفض معدل الخطأ بنسبة تبلغ 90%.
وفي دراسة أجريت عام 2024 استخدم علماء الأمراض نموذج ذكاء اصطناعي مطوّر خصوصًا للمساعدة في تحليل عينات الغدة الدرقية المأخوذة بالإبرة الدقيقة (Thyroid Fine-Needle Aspiration Cytology)، ووجدوا أنه نجح في تحليل العينات بنسبة تبلغ 95% مقارنة بنسبة تبلغ 89% خاصة بعلماء الأمراض الخبراء.
تشير نتائج هذه الدراسات إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكنه زيادة دقة وسرعة عمل علماء الأمراض، ومع تقدم الذكاء الاصطناعي في المستقبل، قد تصبح بعض الأعمال المرتبطة بتحليل العينات آلية بالكامل.
3- طب الأمراض الجلدية:
يتضمن عمل أطباء الأمراض الجلدية تقييم الطفح الجلدي والمشكلات الجلدية الأخرى، وفي الوقت الحالي، يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي المدربة على مجموعات بيانات كبيرة من صور الجلد تحديد حالات سرطان الجلد، وتشخيص المشكلات الجلدية المزمنة.
وقد وجدت دراسة حديثة أن استخدام الذكاء الاصطناعي حسّن بنحو كبير دقة أطباء الجلد في تحديد الورم الميلانيني (السرطان) والوحمات (الشامات) من صور الجلد، وقد زادت الدقة من 65% إلى 73%.
ووجدت دراسة أخرى أن الذكاء الاصطناعي حسّن دقة الأطباء غير الخبراء في تشخيص مشكلات الجلد بدقة تبلغ 54% للمجموعة التي ساعدها الذكاء الاصطناعي مقابل نسبة تبلغ 44% للمجموعة التي لم يساعدها.
تُستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتشخيص أمراض الجلد وستستمر في التحسن، ويمكن لبعض التطبيقات الطبية المدعومة بالذكاء الاصطناعي مثل: Skin Vision و Mole Mapper تشخيص حالات الجلد دون تدخل بشري.
يُشير الاستخدام المُوسع للذكاء الاصطناعي في طب الأمراض الجلدية إلى احتمالية تحويل مهمة تشخيص بعض حالات الجلد إلى غير المتخصصين وكذلك إلى المرضى مباشرة.
4- الطب الباطني:
يشمل الطب الباطني أطباء القلب والغدد الصماء وأمراض الجهاز الهضمي وأمراض الروماتيزم وأطباء الأمراض المعدية، وفي المستقبل، قد يعتمد الأطباء الاستشاريون في هذه التخصصات بنحو متزايد على الذكاء الاصطناعي الذي يمكنه المساعدة في تفسير نتائج التحليلات، وتخطيط القلب، وتقديم توصيات تستند إلى البيانات.
الخاتمة:
بالنظر إلى التأثيرات المختلفة التي تسببها تقنية الذكاء الاصطناعي في المجالات الطبية، من المُتوقع أن تؤثر هذه التقنية في العمل غير الجراحي بنحو أسرع من العمل الجراحي؛ إذ يُستخدم الذكاء الاصطناعي في الطب في الوقت الحالي لتحليل البيانات والمساعدة في التشخيص، ومن غير المرجح أن يعمل روبوت ذكاء اصطناعي في المجال الجراحي بنحو مستقل في المستقبل القريب.
إن سرعة حدوث تغييرات في هذه التخصصات غير معروف، لكن من المعروف أن مجال الرعاية الصحية بطيء بنحو ملحوظ في تبني الابتكارات الجديدة بسبب التأثيرات المحتملة على حياة المرضى. كما ستكون هناك مقاومة من الأطباء المختصين، خاصة عندما يؤثر تبني الذكاء الاصطناعي في الأجر الذي يتقاضاه الأطباء.
ومع ذلك، فإن النظر في المستقبل المحتمل إلى هذه التخصصات أمر مهم لطلاب الطب الذين يفكرون في اختيار التخصص الطبي المناسب لهم؛ في وقت بدأت فيه أدوات الذكاء الاصطناعي بتغيير المجال الطبي.