بقلم: رمضان عبد الله
هل تريد أن تجعل نفسك شخصا لا غنى عنه لأصحاب العمل في المستقبل؟ حتى تصل إلى هذه النتيجة تحتاج لمهارات خاصة ومعينة لا تتوفر في غيرك في ظل سوق عمل يشهد منافسة شديدة على مستوى العالم، ولا يعترف إلا بالأفضل، وهي ليست مجرد مهارات تقنية تحتاج إلى تنميتها، بل هناك مهارات ذاتية وشخصية ينبغي أيضا العمل عليها وتطويرها، وذلك لأننا مع انتقالنا إلى الثورة الصناعية الرابعة، واستمرار وتيرة التغيير؛ تتبدل المهارات التي تحتاجها لتزدهر في مكان العمل، وتحقق أهدافك وطموحك.
وهنا علينا أن نتذكر أن زمن الروبوتات قد بدأ بالفعل، حيث ستشغل “الأتمتة” أكثر من 11 مليون وظيفة في الولايات المتحدة الأميركية وحدها في العقد المقبل، وذلك حسب تقرير أصدرته شركة “فورستر” (Forrester) مؤخرا.
ومن هنا، فإن على البشر أن يطوروا مهاراتهم وقدراتهم بشكل دائم ومستمر كي يبقوا في سوق العمل، ولا يفقدوا مهنهم ووظائفهم، وهذه المهارات جزء منها ذاتي مثل الذكاء مهارات التواصل، والمرونة العقلية، والقدرة على تقبل التغيير والتأقلم معه. وجزء منها تقني بحت مثل القدرة على تحليل البيانات الضخمة، والتعامل مع الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي وغيرها من التقنيات والمهارات.
مهارات المستقبل
في كتابه الجديد “مهارات المستقبل: المهارات والكفاءات العشرون التي يحتاجها الجميع للنجاح في عالم رقمي” يتحدث الكاتب برنارد مار عن كيف أن النجاح في العالم الرقمي يتطلب منا أيضا فهم كيفية تأثير التكنولوجيا على عالمنا، وهنا سيحتاج البشر إلى تنمية المهارات الشخصية الحاسمة حتى نتمكن من القيام بالأشياء التي لا تستطيع الآلات القيام بها.
وفي مقال بمجلة “فوربس” (Forbes) نشر مؤخرا، يلقي برنارد مار الضوء على بعض أهم المهارات التي سيطلبها أصحاب العمل في السنوات العشر القادمة، نذكر منها:
1– محو الأمية الرقمية
تشمل عملية محو الأمية الرقمية مهارات التعلم والعمل والتنقل في الحياة اليومية في عالمنا الرقمي، وتتضمن هذه المهارات القدرة على استخدام الأجهزة المختلفة والبرامج والتطبيقات بسهولة ويسر وثقة وأمان، حيث يمكن للأشخاص الذين يتمتعون بهذه المهارات التواصل والتعاون بسهولة باستخدام الأدوات الرقمية، كما يبقون على دراية بالتقنيات الجديدة ويتعلمونها ويفهمون كيف يمكن أن تؤثر على وظائفهم وأعمالهم.
2– الذكاء العاطفي
الذكاء العاطفي هو القدرة على التعبير عن عواطفنا والتحكم فيها، ويدرك الشخص الذكي عاطفيا كيف تؤثر عواطفه على سلوكه، ويؤثر هو على الآخرين من حوله، ويمكنه إدارة هذه المشاعر وفقا لذلك، وهنا يدخل التعاطف والقدرة على رؤية العالم من منظور شخص آخر كعنصر أساسي في الذكاء العاطفي.
وهناك كثير من الناس فقدوا وظائفهم بسبب فقدانهم هذه الصفة، وفي الزمن الرقمي الذي أصبحنا نعيشه سيكون للذكاء العاطفي والقدرة على الفهم والاستيعاب والمشاركة والتعاطف دور أساسي في الحفاظ على وظائفنا في ظل هيمنة الذكاء الاصطناعي والخوارزميات وزمن الآلات القادم.
3– التفكير النقدي
في عصر الأخبار المزيفة، والإشاعات، وفقاعات وسائل التواصل الاجتماعي، والكم الهائل من المعلومات في الشبكة، يتصدر التفكير النقدي قائمة المهارات الأكثر حيوية للنجاح.
ويعني التفكير النقدي القدرة على تحليل القضايا والمعلومات والمواقف بناءً على الأدلة بدل الإشاعات أو الآراء الشخصية المتحيزة، وعندما تمارس التفكير النقدي، يمكنك التشكيك في صحة الأدلة، ومعرفة ما هو صحيح وما هو غير صحيح في مجموعة متنوعة من المواقف، وهذه مهارة ستكون مطلوبة جدا في مهن المستقبل.
وتلقي الكاتبة والباحثة مارينا زافيبورودا الضوء على بعض المهارات التي لا غنى عنها في سوق العمل مستقبلا، إذ تؤكد أن التقنيات الرقمية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي تعمل على تغيير عالم العمل، ودفع القوى العاملة نحو الحاجة إلى تعلم مهارات جديدة مطلوبة والتكيف مع الوظائف المستقبلية.
وتشير في مقالتها إلى تقرير مستقبل الوظائف الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي يوضح أن 50% من جميع الموظفين حاليا سيحتاجون إلى إعادة تشكيل مهاراتهم بحلول عام 2025 مع زيادة الاعتماد على التكنولوجيا، وذلك للحفاظ على وظائفهم، وهذا يعني ببساطة أن نصف الموظفين في جميع المؤسسات في العالم بحاجة إلى اكتساب مهارات وكفاءات جديدة تماما مطلوبة لمواكبة التحول الرقمي والبقاء في سوق التوظيف.
4– مهارات التعامل مع الآخرين
تغطي هذه المجموعة عدة طبقات من المهارات المطلوبة للتعاون الفعال، وبناء العلاقات مع الآخرين، والتحرك نحو الأهداف المشتركة. وتذكر الكاتبة بعضا من أهم المهارات الناعمة الواجب تعلمها والتدرب عليها، ومنها:
– مهارات التواصل: كما هي الحال بالنسبة للعديد من الشركات والمؤسسات، أصبحت الرقمية امتدادا للاتصال، وأعيد تصور دورها وأصبحت أكثر أهمية، والمهارات التي يجب أن يأخذها الموظفون في الاعتبار هي القدرة على سرد القصص والخطابة وتجميع الرسائل وحسن الاستماع.
– المرونة العقلية: المرونة والقدرة على التكيف والتعلم هي المهارات الأساسية المطلوبة، التي ستسمح للشركات والقوى العاملة لديها باحتضان التغيير وقيادته، وفي هذا الصدد فإنهم يحتاجون إلى الاستثمار في تطوير الإبداع ودعم القدرات الخلاقة عند موظفيهم، والقدرة على تبني وجهات نظر مختلفة، وترجمة المعرفة إلى سياقات مختلفة تساعد على تطوير العمل.
– بناء العلاقات: يحتاج الموظفون الذين يسعون جاهدين لتحقيق النجاح في هذا المجال إلى تبني التعاطف والتواضع والتواصل الاجتماعي والثقة الملهمة.
– العمل الجماعي: حتى لو كانت هناك بعض المهام التي تحتاج للاستقلالية في تنفيذها، فإن القدرة على العمل الجماعي مفتاح النجاح للأفراد والمؤسسات، ذلك لأن القدرة على التعاون تعد أمرا بالغ الأهمية للنجاح، والموظف الذي يفتقر هذه المهارة سيجد نفسه خارج السياق والعمل.
مهارات تقنية:
ثم تنتقل الكاتبة إلى بعض المهارات التقنية التي لا غنى عن معرفتها وإتقانها في مهن المستقبل ومنها:
5– مهارة تحليل البيانات الضخمة
يستخدم تحليل البيانات الضخمة تقنيات متقدمة مقابل مجموعات بيانات عديدة ومتنوعة، بما في ذلك البيانات المهيكلة وشبه المهيكلة وغير المهيكلة من مصادر وأحجام مختلفة من حجم تيرابايت إلى حجم زيتابايت.
أحد المجالات التي تكون فيها البيانات الضخمة قابلة للتطبيق ومفيدة على نطاق واسع هي التحليلات المتعلقة بالموارد البشرية، حيث تُمكّنك المعرفة بالبيانات الضخمة من إنشاء تنبؤات دقيقة لعدد الموظفين، وتحسين هيكل القوى العاملة لديك، ودفع تحول القوى العاملة.
ويمكن للخوارزميات محاكاة سيناريوهات مختلفة للقوى العاملة أوقات الأزمات، مثل: الأزمة الاقتصادية العالمية، أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أو أزمة كوفيد-19. وهنا توصي الكاتبة بتجربة بعض الأدوات المستندة إلى البيانات التي يمكن أن تساعد على التنبؤ بتكاليف العمالة المستقبلية، وتحديد المهارات المستقبلية، وجعل المهارات المخفية شفافة، والإشارة إلى فجوات المهارات الموجودة في المؤسسة، والأشخاص الذين يتقنون تحليل البيانات الضخمة سيكون عليهم طلب كبير في المستقبل، وذلك لأن البيانات هي عصب الثورة الصناعية الرابعة ونفطها الذي لا ينضب.
6– الحوسبة السحابية
وظائف الحوسبة السحابية آخذة في الارتفاع لأن المزيد من الشركات تتحول من البنى التحتية للخوادم إلى الحلول السحابية، ويتم أيضا توفير العديد من خدمات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي من خلال الأنظمة الأساسية السحابية، والمهارات الأكثر طلبا والأعلى ربحا في هذه المجموعة هي “مايكروسوفت أزور” (Microsoft Azure) و”دوكورديفوبس” (Docker DevOps) و”كوبرنيتيس” (Kubernetes).
من جانبها، ركزت منصة “ستارت آب توكي” (startuptalky) على عدد من المهارات التقنية المتقدمة التي سيكون الطلب كبيرا في المستقبل على من يتقنها، ونذكر منها:
7– بلوك شين (Blockchain)
هي واحدة من أحدث التقنيات التي يتزايد الطلب عليها بسرعة، ويمكن تعريف “بلوك شين” على أنه نظام تسجيل المعلومات بطريقة تجعل من الصعب، بل ويكاد يكون من المستحيل اختراق النظام أو تغييره أو خداعه، لذلك فإن بلوك شين يعد إحدى التقنيات التي تعمل على تمكين الأمن السيبراني، وبالتالي فهو حاجة ماسة للعصر الرقمي الذي نعيش فيه.
صحيح أن “بلوك شين” تقنية جديدة نسبيا، ولكن يمكن إدراجها بسهولة ضمن المهارات الأكثر طلبا في المستقبل.
8– إنتاج وتحرير الفيديو
إنتاج الفيديو وتسويقه يزدهر بشكل كبير لم يسبق له مثيل من قبل، ومنصات مثل “يوتيوب” و”تيك توك” و”أي جي تي في” جعلت كثيرا من الناس العاديين أثرياء ومشاهير في برهة قصيرة من الزمن.
إذا تمكنت من إتقان مهارات تصوير وتحرير الفيديو، فإن هذه المنصات ستمكنك من إنشاء مصدر مهم للدخل، وتتوفر العديد من الموارد والبرامج التدريبية عبر الإنترنت لتعليم هذه القدرات وتنميتها، كما يعد إنتاج الفيديو أمرا شائعا على نطاق واسع في مواقع الويب المستقلة والشركات الناشئة، وهي على استعداد لدفع مبالغ سخية لمنتجي ومحرري الفيديو الموهوبين وذوي الخبرة.
9– التسويق الإلكتروني
نحن نعيش في عصر الإنترنت حيث كل شيء متصل بالشبكة الدولية، بما في ذلك المنتجات والسلع والأنشطة التجارية بكل ما تعنيه، وتبدأ الشركات ورواد الأعمال في العالم بشكل غريزي إدراج أعمالهم عبر الإنترنت، وهم دائما على استعداد لتسويق منتجاتهم وأعمالهم بفعالية عبر الإنترنت والدفع بسخاء من أجلها، وكلها تساعد في نمو التسويق الإلكتروني.
ومن الواضح أن هذه المهارة الرقمية بامتياز ستضمن دخلا ممتازا لمن يتقنها ويدخل في أسرارها، فكل الشركات الآن تسعى لتسويق منتجاتها عبر الإنترنت والتطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وهي مهارة عالية الدخل ومضمونة، فالتسويق لن ينتهي أبدا في العالم ما دامت هناك سلع ومنتجات تُنتج وتباع.
10– التأليف وكتابة المحتوى
يعد الإعلان عن علامة تجارية أمرا حاسما لنموها وازدهارها ووصولها للمستهلكين، وبالذات في ظل التنافس الشرس لهذه العلامات مع بعضها البعض، وتفننها في الوصول لعقل المستهلك وجيبه.
وهنا تبرز أهمية دور المؤلف وكاتب المحتوى للإعلانات التجارية بحيث تكون هذه الكتابة مبدعة وخلاقة، وتوصل الفكرة أو السلعة المراد التسويق لها بصورة جذابة ومشوقة ومقنعة، وتدفع المستهلك لشراء هذا السلعة أو ذاك المنتج وتفضيله على غيره من المنتجات، ومن هنا نجد أن الطلب على مؤلفي الإعلانات في ازدياد مستمر، وهذا هو السبب في أن كتابة الإعلانات تجد مكانها من دون عناء في هذه القائمة.