بقلم: علاء سعد حميده
سأل مغترب زوجته وهما يستقلان سيارة مرسيدس ليست آخر طراز، ولكنها ليست عتيقة الصنع: ألا تفخرين أنك مع زوجك تستقلين المرسيدس الفاخرة بينما أترابنا في أوطاننا يستقلون التاكسي في المناسبات فقط؟!
أجابت الزوجة المغتربة: كنت أفخر لو كنا نملك سيارة صغيرة في وطننا، إنما هنا فالسيارات المستعملة رخيصة جداً بحيث لا يبعث امتلاكها على الفخر.
كانت الزوجة على حق، فقد كنت وأنا شاب مغترب حديث عمل بالمملكة –راتبي ضئيل- أستطيع أن أشتري سيارة بحالة جيدة مقابل راتب شهرين فقط، بمعنى أنني لو اشتركت مع زملائي في جمعية بنسبة 16% من راتبي الشهري أستطيع شراء سيارة خلال عام واحد!
نظرة تلك الزوجة المغتربة كانت تلخص نظرة المجتمع الاستهلاكي الذي تعيش فيه للقيم المادية، فكل شيء يسهل على الإنسان الحصول عليه مقابل بعض المال، يصبح شيئاً رخيصاً، والرخيص لا قيمة حقيقية له حتى ولو كان يؤدي نفس الوظيفة التي يؤديها في مجتمع آخر يراه غالياً ولا يقتنيه إلا الأثرياء، رخص القيم المادية لدى المجتمع الاستهلاكي تسرب كذلك إلى القيم المعنوية ثم إلى القيم المطلقة، أصبح لكل شيء ثمن، وكل ما له ثمن رخيص أمام الإمكانات المادية الجبارة التي توفر المال في كل وقت، فقيمة الكفاءة العملية والعلمية للعاملين المهرة، وللعلماء الأكفاء على الترتيب، باتت مبذولة مقابل المال ومن مختلف الجنسيات، حتى أمهر وأشهر لاعبي كرة القدم في العالم، باتوا في حوزة من يدفع المقابل المالي الخرافي، أياً كانت أسماء الفرق الكروية التي سيلعبون لها، وتاريخ تلك الفرق، وترتيبهم العالمي في جدول ترتيب الأندية العالمية من حيث العراقة والإنجازات والأرقام!
لاعب كرة القدم الذي يباع ويُشترى بالمال وحده دون أي نوع من الإغراءات المعنوية المساندة، فهو لن يفوز مع ناديه الجديد ببطولة تعادل في قيمتها بطولة «التشامبيونزليج»، والدوري المحلي الذي يمكن أن يحققه لدى فريقه الجديد هذا العديد منه في دولاب إنجازاته، وحتى حصول فريقه على بطولته القارية حدث متكرر وشبه اعتيادي، يتحول والحال كذلك إلى لاعب رخيص، فكل ما له قيمة مالية محددة رخيص في عرف من يملك المال.
يقولون: ألا يعمل الناس كل الناس في مختلف أنحاء الأرض من أجل الحصول على المال؟ والإجابة نعم يعملون من أجل الحصول على المال الذي هو عصب الحياة، ومع المال يحصلون على العزة والكرامة والمكانة الاجتماعية والتأثير في البيئة المحيطة، يعمل الإنسان للحفاظ على إنسانيته في المقام الأول، والمال إحدى وسائل الحفاظ على تلك الإنسانية، فلا مقايضة بين المال والإنسانية.
الإنسان الذي يعمل ويكتسب المال محتفظاً بكرامته وقيمته وقيمه ومبادئه وقراره، لن يصبح رخيصاً في يوم من الأيام، لأنه لن يوظف عمله هذا لمن يدفع أكثر، وإنما لمن يحترمه أكثر ولو كان بمقابل مالي أقل.
أعرف كاتباً حظر التواصل مع شخص خليجي عرض عليه أن يكتب باسمه مقابل أجر مالي كبير، في وقت كان الكاتب يبحث عن عمل، وينشر أغلب كتاباته في المواقع المجانية من أجل تعزيز الوعي لدى القراء! ولم يقبل المساومة لأنه كاتب غال لا ثمن مالياً له.
هكذا الفن، فكل ما كان له ثمن مادي دون مساندة معنوية محترمة هو فن رخيص لا قيمة له.
إن الرجل الذي يلقي طرفة وسط الناس بنية إسعادهم، دون أن يعود عليه ذلك بنفع مادي، طرفته قيمة وسلعته غالية، أما هذا الشخص الذي يقف على خشبة أي مسرح، وكل ساحات الفنون خشبة مسرح، طالما معدة سلفاً للفرجة، إما أن يكون لعمله قيمة إذا حقق من خلف ما يقدمه قيماً معنوية مساندة للمال الذي يحصل عليه، وإلا تحول إلى شخص رخيص، وكل ما يقدمه فناً كان أو تهريجاً، أو سخافة، أو ابتذالاً رخيصاً مثله.
رسالة الإنسان في هذه الحياة ألا يسمح لنفسه أن يكون رخيصاً، يباع ويشترى في مجتمع استهلاكي غالب القيم فيه رخيصة وقابلة للتداول والاستهلاك!